بقلم فاطمة مندي

اكتظ دفتري بالحكايات وامتلئت السطور عن أخرها، جفت أقلامي كلها لم يتبقى سوى بضعة قطرات من الحبر و بضعة أسطر في نهاية الدفتر.
لقد أقتظ بالصفعات المتتالية من الزمن، اخر ما يتسنى لي أن اسطره في أخر سطوري،
لقد دون الزمن فيها أخر هزيانه معي؛ عندما لطمني ضابط الشرطة لطمة اسالت الدماء من فمي، وهو يسحبني الي عربة الترحيلات التي كانت تقف بالجوار.

في الطفولة كنا نعدوا أنا وصديقتي كل الشوارع والاذقة عدوا ولهوا،
نجوب الشوارع بحثا عن كل ما هو غالي وثمين، هكذا تعلمنا الدرس من ذوينا،
لم نكترس لأي شيء، كل شيء أمامنا مباح كل شيء،
لا نعرف أية مبادئ أو نتعلم أية قيم، ولا أية تفصيلة من تفاصيل الدين، الحلال الحرام، القيم، المبادئ.
ولكن كنا كقطتان بريتان .
ذات يوم شاهدنا عربة بها بعض أكياس الطعام مفتوحة، أشرت علي صديقتي أن اراقب لها الطريق وهي تسطوا علي الأكياس،
اقتربت من العربة بحيطة وحذر مدت يدها لألتقاط الأكياس، لكن ثمة من أمسكت بها، لقد وجدت صاحبة العربة أمامها، ربتت علي كتفها وقالت لها: خذي ما تشائين من الطعام، لا تخافي واعطتها أكياس الطعام وقالت لها: تعودي أن تاخذي أي شيء بعزة نفس .
لم تستوعب طفولتنا حينها هذه الكلمات، كانت بعيدة عن دنيانا ومفاهيمنا التي نشأنا عليها في أسر ليست بأسر،
أسر لم تعلمنا سوي الخطف، النشل، السرقة، الشحاتة، كل ما تطاله أيدينا فهو ملك لنا.
كانت النساء تخرج للتسول والنصب، والرجال منهم من يتسول ومنهم من يسرق، وأخرون يجيدون النصب.
والبعض يستولى علي كل ما يقع تحت أيديهم، كانوا يتزوجون بلا منازل بلا مهور بلا كل شيء، أنها بيئة التسول.
ذات مساء كنا نجلس بعد سويعات كثيرة من العمل والأجهاد البدني من اللف والدوران في الشوارع أمام التلفاز، رأينا صاحبة العربة تتحدث أمام جموع خفيرة من الناس منمقة الثياب والحديث.
جلسنا في صمت مشدوهتان نستوعب الكلام الذي كان ضربا من الخيال؛ لأنه عكس كل شيء فينا ونشأنا عليه.
نظرت لي صديقتي في دهشة: أريد أن أكون مثل هذه السيدة، أريد أن أكون في مكانتها.
نظرت إليها شذرٱ وقلت لها: مستحيل أين نحن من هذا ؟!لابد أن تجوبي مراحل التعليم المختلفة لكي تصلي الي هناك، من أين لك بالأموال، ومن سيسمح لكي، أنهم ينتظرون عودتك كل يوم بالغنيمة.
صممت علي خوض التجربة ونصحتني بمصاحبتها؛
ولكن لم يكن عندي طموحها ولا صبرها، فتركتها في أول الطريق ومضيت في طريقي الذي
لم أتعلم سواه.
ويال حظي العاثر ، لقد فقد الطير مهارته في التحليق والتخفي بعيداً ، لقد ضعفت اجنحتي بدونها، صارت مهيضة.
لقد نشأنا في نفس الظروف، نفس المكان،
صرت شابة حاك لي الزمن العديد من الأقنعة، ابدلهم مع كل حالة اتقمصها، دارت بي السنين وصلت معها الي الذروة،
لقد حفظت كل طرق المدينة الكبيرة، كنت أنتقل من مكان الي مكان دون هوادة، رشيقة أنا الي هذه الدرجة ، الأمر الذي جعلني أحلق في الطرقات وكأنني طائر، أفرغت كل ما قي جعبتى من حيل للتخفي والنصب، والتخفي عن أعين تترصدني.
وقفت مع نفسي برهة أتسأل: أين المفر في آخر هذا المشوار ؟! كنت أجيد التخفي، والأن قد انكشفت جميع اقنعتي ، فرغت جعبتي، شاهدوني بل وتتبعوا آثري، كنت أركض كالنمور، بين الشوارع والأذقة، وهم يركضون خلفي، استوقفي ذلك المشهد في التلفاز في أحد المحلات ممسكاً بجرأتي،
تسمرت في مكاني، كانت صديقتي تقف في شموخ الأميرات، تدلي بدلوها العلمي، يصفق لها الحضور كما أرادت، تتسلم الجائزة،
كم حلمت معي أن تصل الي هذه المرتبة.
صعدتُ عربة الترحيلات تقلني وأنا مبتسمة غارقة بعقلي في عالم آخر مع صديقتي.

فاطمة مندي