الأفطار

بقلم فاطمة مندي
منذ عدة أعوام
عندما كنت مشغولة في المطبخ لأعداد وجبة الأفطار في أحد أيام رمضان، جاء ابني الصغير من الخارج ، لقد أنهى أخر دروسة قبيل المغرب بساعة، دخل المطبخ ليطمئن بنفسة على ما تحتوية وجبة الأفطار، ويعيد علي مسامعي ما طلبه في الصباح من طعام وعصائر وحلوى.
رأى كل شيئ قد أعْدَّته كما يشتهيه وكما طلب.
سمعت صوت ابيه مستنكراً وهو يرقد على الأريكة في بهو الشقة: هي وجبة واحدة لماذا الوقوف طوال اليوم في أعدادها؟!
عادة لا أجيب ولا أعلق بالسلب أو بالإيجاب،
لأن التعليق سوف ينتهي بمشادة كلامية وأصوات عالية ، وخروج عن الطبيعة؛ نظراً لعدم التدخين، وعدم تناوله للقهوه.
سألت أبني: هل مررت علي جدتك كما طلبت منك؟
أجاب: نعم، وقالت لي: أين طعام الأفطار؟!
لماذا لم تحضرة لي؟!
أخبرتها: أن اليوم خالتي هي من ستعد لها الطعام.
بهتت ملامحي وأصابني الذهول،
وسألت نفسي مستنكرة: ألم ترسل لها إحدى بناتها اللتان بجوارها وجبة الأفطار الي الأن؟! وساومت ابني بل ورجوته أن يذهب الي جدته ويأخذ لها طعام الأفطار بل ويفطر معها، وسوف أضاعف له المصروف.
تأفف رافضاً من هذا العرض.
ومن الخارج سمعت صوت ابيه يحدثني بحدة وصوت مرتفع: هو الولد طوال اليوم في دروسه، انزلي أنت وخذي لها الطعام، بل وتناولي معها وجبة الأفطار هي أمك وليست أمه.
بهتهت ملامحي وأصابني الحنق،
تركت كل شيء خلفي، هرولت الي حجرتي، بدلت ملابسي في برهة، وأخذت بعض الطعام ونسيت أن اخذ لحوم، أطلقت لقدمي العنان مهرولة، كي الحق المواصلات قبل آذان المغرب.
في طريقي مطعم لاعداد الوجبات وقفت لكي ابتاع منه مزيد من الطعام أجود به وجبة الأفطار بل هي دجاجة مشوية لي ولها، واشتريت لنا بعض الفاكهة.
طرقت بابها وقت آذان المغرب ، ذُهلت بل وسألتني: عن سبب حضوري؟!.
اخبرتها بما قالته لأبني.
لم تتذكر لأنها غالبا كانت كثيرة النسيان، ووجدت وجبة اختي على المائدة، وعدة لفائف أخرى، بل وكانت أحيانا تشتري نفس الحاجة مرتان.
ضحت وضحكت أمي وحدثتها ونحن نضحك ضحكات هستيرية: عندك كل هذا الطعام وتجعليني أترك كل شيء خلفي وأعنف أبني وأهرول إليكِ، وجلسنا نعد الطعام الذي أحضرته كي نتناوله معاً،
وجدتها تفرد أكثر من لفة وهناك المزيد من اللفائف وبها من اللحوم ما يكفي أُسر كبيرة.
كانت لحوم منتقاة مشوية بأتقان.
سألتها من أين لك بكل هذا الطعام الشهي؟!
قالت لي: أن أبناء أخواتها كل يوم يحضروا لها ما لذ وطاب من اللحوم تأكل ما تأكله من اللفائف وباقي لفائف الطعام تعطيها للجيران
الذين يحتاجونها لأنه يحتوي على كل هذه اللحوم.
وأكلت معها وجبة لم أتذوق مثلها في حياتي لقد شبعنا من اللحوم فقط بل وتركنا الدجاجة المشوية للجيرا هي وباقي اللحوم وباقي اللفائف.
فاطمة مندي