الاستغلال غير المشروع للحرب بدعوى القضاء علي الارهاب

د. عادل عامر

 تحقيقا لتغيير ديموغرافي واثرة في مكونات المجتمعات

بقلم الدكتور عادل عامر – مصر

حين واجهت الولايات المتحدة ضربات الحادي عشر من سبتمبر ؛ تحرك القرار الأمريكي لمواجهة ما يسميه بالإرهاب ضمن مطالبة الدول بالتحالف مع الولايات المتحدة , دون أن تقدم الإدارة الأمريكية خطة تحدد مفهوم الإرهاب , وصور معالجاته , بل تمثلت الحركة الأمريكية في ترسيم ( العنف والعنف المضاد ) كخيار للعالم في هذا القرن ، ومن المؤكد أن الإدارة الأمريكية مع شمولية نظرتها في تصنيف الإرهاب
وأن كل من يعارضها سيكون ملاحقاً في هذه الحرب , التي قد تأخذ في البداية تجارباً على مجموعة من الضعفاء, كما هو الحال في ضرب المدنيين في أفغانستان ، وهذا يعني: أن هذه الحرب لن تقف – حسب طموح إدارة الصراع في الولايات المتحدة – حتى تنتهي كل أشكال الاستقلالية والطموح الذي يختار مساراً آخر قد لا تتذوقه الإدارة في الولايات المتحدة
وهنا فإن الاصطدام الأمريكي لن يكون بدول العالم الإسلامي فقط – التي حافظ الغرب على تخلفها التقني – بل سيكون الحياد ذاته شكلاً من أشكال الإرهاب في نظر الإدارة الأمريكية , حتى مع الدول الأكثر تقدماً وقدرة على تقرير مستقبلها الخاص، وهذا يعني: أن الخطة المعلنة ستصنع كارثة عالمية تتجه لتقويض الأمن المدني, وضرب جميع صور الاستقلال السياسي والثقافي في العالم .
لقد أعلنت دول العالم إدانتها لأحداث الحادي عشر من سبتمبر , وأن من الصعب ضرب الأمن المدني في الولايات المتحدة تحت مبررات إساءة الإدارة الأمريكية ، لكن من المعقول أن نقول: إن الخطة المعلنة تعني أن الإرهاب يصنع الإرهاب فحين لا يكون مقبولاً ضرب المدنيين في الولايات المتحدة ؛ فمن المعقول ألا يكون مقبولاً ضرب آلاف المدنيين العزّل في أفغانستان كرد على ضربات نيويورك وواشنطن ، وليس محتماً أن يظل العالم مطالباً بإدانة الأحداث التي ضربت أمريكا، بينما يظل متجاهلاً أن ضحايا الهجمة على أفغانستان من المدنيين أكثر بكثير من ضحايا أحداث سبتمبر .
ربما لم تكن الإدارة الأمريكية جادة في حماية الأمن المدني في العالم ، بل ولا حتى داخل الولايات المتحدة ؛ فبدلاً من وضع قواعد لحماية الأمن والاستقرار العالمي ، اتجه القرار الأمريكي إلى خلق دوائر جديدة من التوتر ، وتفجير دوافع متنوعة للتعبير عن الحريات المسحوقة التي يمكن أن تفعل أي شيء ، دون أدنى تفكير أو شعور بالذنب والخطأ.
 ومن المؤكد أن خصومة الولايات المتحدة في هذه المرحلة لم تعد مع جماعة أو منظمة خاصة، بل بدأت تتجه للصراع مع العالم أكثر من أي وقت مضى ، ومن المؤكد أيضاً أن الرأي العام العالمي لا يشعر بعدالة كافية في الحركة الأمريكية ، وبات أكثر ذكاء ووضوحاً في رفض المزايدة الأمريكية تجاه قضية الإرهاب .
إن رفض ضربات الحادي عشر من سبتمبر لا يعني تبرير أشكال التطرف والعنف ، التي تمارسها الإدارة الأمريكية ؛ لتقويض الأمن وضرب الحريات ، ولا سيما في دول العالم الإسلامي التي حُمّلت المسؤولية الأكثر تجاه صناعة الإرهاب ؛ لشعور الإدارة الأمريكية أنها الدول الأكثر قابلية لمزيد من فرض التسلط الأمريكي ، واستعمال السيطرة والنفوذ تجاهها . ويمكننا هنا أن نقرأ بعض المفاهيم التي نتمثلها في عالمنا الإسلامي ، وهي بمثابة تحديد أفضل لهويتنا أمام الرأي العام في العالم ، وفي الولايات المتحدة بالذات ، وخاصة حين صنعت آلة الإعلام الأمريكية هالة وهمية مزينة بقدر من المعلومات المضللة والموضوعية المنحازة ، وسمحت – على الأقل – لمشاعر الكراهية والبغضاء ؛ أن تشكل الرأي العام عن الإسلام . ان محور أسباب انتشار ظاهرة الإرهاب عالميا ومن الطبيعي بحث وتفحص عوامل أخرى تقف وراء هذه الظاهرة. أبرزها حالات التنافس والصراع الذي تشهده الساحة السياسية الدولية،
فقد أكدت الأحداث أن التطور اللامتكافئ بين الدول المتقدمة والدول التي تسعى إلى النمو وما تمثله ظاهرة التبعية المتسمة بسيطرة الدول المتقدمة وانتشار الانماط والاساليب المتعددة للجريمة المنظمة والتي تعتبر نتيجة تمرد على الواقع المعاش باتساع تلك الهوة بين عالم الشمال المتطور والجنوب الساعي إلى التطور، أدت إلى بروز أساليب متعددة لارتكاب أعمال إرهابية تعبر عن حالة الرفض للتبعية وللاستعمار والاستغلال على المستوى الدولي. يضاف إلى تلك العوامل الخارجية المتمثلة بسياسات الدول المتقدمة، السياسات المتبعة من قبل المؤسسات المالية الدولية وبالذات صندوق النقد والبنك الدوليين عبر برامجهما المتمثلة بالإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي المشروطة باتباع سياسات معينة من قبل البلدان المطبقة لتلك البرامج
أن المتغيرات الإقليمية والدولية لا شك تؤثر وتتأثر بالخطاب الديني، فخطاب الجماعات المتطرفة أثٌر في معظم المجتمعات بصورة سلبية أضرت بسمعة الإسلام ودول المنطقة، وهو كذلك تأثر بما يجري من أحداث وتدخلات وممارسات وحشية في المنطقة زادت من خطاب الكراهية للآخر. إضافة إلى أن الممارسات الطائفية في المنطقة ضاعفت من حدة الخطاب الطائفي عند معظم الأطياف الدينية ونحسب أن مستقبل الخطاب الديني مرتهن بما سيجري من أحداث وحروب وصراعات في المنطقة ومستقبل الدور الإيراني الذي ستلعبه في المنطقة خاصة بعد الاتفاق النووي، وأنه سيتأثر بالسياسات الغربية التي بدأت تتغير لصالح النظام السوري. و ما لم تتم معالجة الاوضاع وحل الإشكاليات في المنطقة فمستقبل الخطاب الديني سيشهد المزيد من التشدد والتطرف على حساب قيم ومفاهيم التسامح والعدالة والاعتدال والحوار …الخ، والتي من المفترض أن تكون من أهم القيم التي ينبغي للتيار الديني أن يتكئ عليها.
ثمة عنف أساسي في الإدراك الصهيوني للواقع والتاريخ. ولم يكن هناك مفر من أن يُترجم هذا الإدراك نفسه لإجراءات وعنف مسلح لتغيير الواقع ولرفض الرؤية اليهودية الحاخامية . ولتحقيق هذا الهدف، يبين الدكتور المسيري، أنه كان حتمياً أن تُنتَج المادة البشرية القتالية القادرة على تحريك التاريخ لا من خلال التوراة وإنما من خلال السيف، وهذا ما سماه الصهاينة «تحديث الشخصية اليهودية»، أي علمنتها وجعلها قادرة على تغيير قيمها حسبما تقتضيه الظروف والملابسات، وتبنِّي قيم نيتشوية وداروينية لا علاقة لها بمكارم الأخلاق أو بالمطلقات الإنسانية والأخلاقية والدينية.
 وقد بيَّن الصهاينة أن اليهودية الحاخامية طلبت من اليهود الانتظار في صبر وأناة لعودة الماشيَّح، وألا يتدخلوا في مشيئة الإله، لأن في هذا كفراً وتجديفاً. ولكن الصهاينة، الرافضين للعقيدة اليهودية، تمردوا على هذا الموقف أو وصفوه بالسلبية ونادوا بأن يتمرد اليهودي على وضعه وألا ينتظر وصول الماشيَّح، إذ ينبغي أن يعمل اليهودي بكل ما لديه من وسائل على العودة إلى أرض الميعاد. فالمنفى بالنسبة إلى بن جوريون يعني الاتكال، الاتكال السياسي والمادي والروحي والثقافي والفكري “وذلك لأننا غرباء وأقلية محرومة من الوطن ومُقتلَعة ومشرَّدة عن الأرض، وعن العمل وعن الصناعة الأساسية. واجبنا هو أن ننفصل كلياً عن هذا الاتكال، وأن نصبح أسياد قدرنا”.
إن الشعوب وهي في طريقها للحصول على حريتها سواء ابتداء، من خلال الحصول على حق تقرير المصير، أو من خلال خضوعها لحكومة وطنية من خلال حقها في ممارسة ديمقراطية واعية وتقرير المزيد من حقوق الإنسان لها، فقد تمارس أعمال العنف من أجل الوصول إلى هدفها، الأمر الذي يدفع البعض إلى أن يصف هذه الأعمال بالإرهاب، وبالنظر إلى أن الإرهاب هو خروج عن المألوف وإتيان أعمال غير معتادة من العنف، فقد خلط الكثيرون بين الإرهاب وصور التعبير السياسي العنيفة الأخرى مثل: العنف السياسي، أو غير العنيفة، مثل : الديمقراطية وحقوق الإنسان باعتباره وسيلة للتعبير بديله لعدم وجود الديمقراطية أو التمتع بحقوق الإنسان وقد لا يقتصر الأمر على مجرد خلط المفاهيم بين الإرهاب وتلك الصور بل قيام علاقة تبادلية بينة وبينها، بحيث يؤثر كل منها في الآخر، بل إن الخلط شاع بصفة أساسية بين الإرهاب وحركات الكفاح المسلح التي تمارسها الشعوب المستعمرة من أجل تقرير مصيرها أو التي تعد صورة من صور العنف السياسي،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *