الحكم العطائية … (التوجه بالهمة والقصد والنية إلى اللّه وحده)
36) الحكمة السادسة والثلاثون :
(لا تَتَعَدَّ نية هِمَّتُكَ إلى غَيْرِه، فالكريم لا تَتَخطاَّهُ الآمال).
لا تتعد، أي لا تتجاوز، ونية الهمة: قصدها الذي تتوجه به، والهمة: القوة المنبعثة في طلب المقاصد، والآمال: قصود القاصدين، ومعنى لا تتخطاه أي لا تتجاوز إلى غيره. إذا تعلقت همتك أيها المريد بشيء تريد تحصيله فردها إلى الله ولا تتعلق بشيء سواه، لأنه سبحانه كريم على الدوام، ونعمه سخاء على مر الليالي والأيام، والكريم لا تتخطاه الآمال، وهو يحب أن يسأل فيجيب السؤال.
37) الحكمة السابعة والثلاثون :
(لا تَرْفَعَنَّ إلى غَيُرِهِ حاجة هو مُورِدَها عليك)
قد علمت أن ما سوى الحق خيال وهمي لا حقيقة لوجوده، فإذا أنزل الله بك حاجة كفاقة أو شدة أو غير ذلك من العوارض فأنزلها بالله، واجعلها تحت مشيئة الله وغب عنها في ذكر الله، ولا تلتفت إلى ما سواه تعلقاً وتملقاً.
38) الحكمة الثامنة والثلاثون:
(فكيف يَرْفَعُ غَيْرُهُ ما كان هُوَ لَهُ واضِعاً؟)
من قلة حياء الإنسان أن يرفع إلى غيره ما أنزله عليه الحق تعالى من أحكام قهره، مع علمه تعالى بإحسانه وبره وعدم انفكاك لطفه عن قدره. قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: أيست من نفع نفسي لنفسي فكيف لا أيأس من نفع غيري لها، ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجوه لنفسي.
39) الحكمة التاسعة والثلاثون:
(ومن لم يستطيع أن يَرَفَعَ حاجة عن نفسه فكيف يستطيع أنْ يَكونَ لها عن غيره رافعاً؟).
من عجز عن إصلاح نفسه فيكف يقدر أن يصلح غيره؟ ضعف الطالب والمطلوب. قال بعضهم: من اعتمد على غير الله فهو في غرور، لأن الغرور ما لا يدوم، ولا يدوم شيء سواه، وهو الدائم القديم الذي لم يزل ولا يزال، وعطاؤه وفضله دائمان فلا تعتمد إلا على من يدوم لك منه العطاء والفضل.
40) الحكمة الأربعون :
(إن لم تُحْسِنْ ظَنكَّ به لأجل وَصْفِهِ، فَحَسِّنْ ظنك به لأجل معاملته معك ، فَهَلَ عَوَّدَكَ إلاَّ حَسَناً؟ وهل أسْدى إليك إلاَّ مِنَناً؟).
الناس في حسن الظن بالله على قسمين: خواص وعوام. أما الخواص فحسن ظنهم بالله تعالى ناشيء عن شهود جماله ورؤية كماله، فحسن ظنهم بالله لا ينقطع سواء واجههم بجماله أو بجلاله، لأن اتصافه تعالى بالرحمة والرأفة والكرم والجود لا ينقطع، فإذا تجلى لهم بجلاله أو قهريته علموا ما في طي ذلك من تمام نعته وشمول رحمته، فغلب عليهم شهود الرحمة والجمال، فدام حسن ظنهم على كل حال. وأما العوام فحسن ظنهم بالله ناشيء عن شهود إحسانه وحسن معاملته وامتنانه، فإذ نزلت بهم قهرية أو شدة نظروا إلى سالف إحسانه وحسن ما أسدى إليهم من حسن لطفه وامتنانه، فقاسوا ما يأتي على ما مضى، فتلقوا ما يرد عليهم بالقبول والرضى، وقد يضعف هذا الظن بضعف النظر والتفكير ويوقى بقوتهما، بخلاف الأول فإنه ناشيء عن شهود الوصف والوصف لا يتخلف. والثاني ناشيء عن شهود الفعل وهو يتخلف، فإن لم تقدر أيها المريد أن تحسن ظنك بالله لشهود وصفه ومننه، فهل عودك الحق تعالى إلا براً حسناً ولطفاً جميلاً؟