الشاعر “ابراهيم وهبة”: الشك هو الطريق الوعر لأعبر عن اليقين
له في ميدان القصيدة مضمار ولفن الكتابة هو فارس مغوار، لنسج الشعر له إضمار، لفظه له صولة جباّر، له إحساس كفلقة جماّر ذو مبدأ صليبا و ليس بخوار.
مع قلمه نستنشق عبق الكلمات ونلامس عاطفة السطور، ينسج لنا العبارات بإتقان متفاني، نحلّق مع حرفه للأعالي لقطف بلاغة المعاني، هو الشاعر الفلسطيني “إبراهيم وهبة”
مرحبا بك سيدي
مرحبا بكم, أسعدتني جداً المقدمة وأرجو بحق أن أكون كما تفضلت يا أيتها الصحفية المرموقة بنت تونس الآبية
شكلت ومازالت تشكل الكتابة جانبا هاما من جوانب الثقافة التي أسهمت في زجّ الطاقات ضمن مشروع إيديولوجي له تجلّياته لتخلّف آثارها على مرّ العصور، فما علاقة الإنسان “إبراهيم وهبة” بنوعية هذا الفن، ماذا أخذ منه وماذا أعطاه ؟
لا أحب كلمة الأيدلوجيا, أظنها يكمن فيها مبالغة بل أقول أقرب للفعل الكتابة أطمح من خلالها أن أمارس الوعي دون عائقات والعقبات يشكلها الجسد فإذا أرغب بمرح دون أي قيد أكون كفعل اللغة أعبر عن أمتناني وأستنبط نواة اللغة و فعل البلاغة وهي امتداد أكون كالنسج أحاول أن ألتقط الحرف ولا أبالي من الشروخ وإن وجد.
“ظني بأن أجمل الكتابات تنم عن ليس كم الشهرة و بكم قوة النص بل بكم يكون النص أقرب للقلب يكون فعل النجاح بظني مرصود”، كيف يتلمّس القارئ محاذاة حرف الشاعر “إبراهيم وهبة” لإحساسه و شعوره؟
لا أعرف وأتحرك من قوة فعل النص وأميل لفعل الشعور, والإحساس لذا أترك أو أعبر عن مكنون النفس وأترك الصياغة كمن يحمل عبئ شديد أريد التخلص منه وأعترف بأنني أميل للتحرر من النص فلذا باستعجالي بنشره أكون قد تخلصت من عبئ النص وأتركه تماما دون أن أعاود عليه وظني هنا فعل تنمية وتكمن قوة فعل النص إن وجد أصلا.
إذن الشك هو الطريق الوعر لأعبر عن اليقين إن وجد و اليقين و هنا أميل أكثر للظن بأنه خروج بل انفجار من مكنونات النفس أي أنني كعادتي كل ما أبدأ بفعل الكتابة وكأنني وبحق أخط لأول مرة كمن أمارسها لأول مرة.
للكتابة علاقة بالمعرفة وإذا ما اعتبرنا أن المعرفة نوعان اليقينية والاحتمالية الظنية، أي النوعان يستحوذ على الاهتمام و الميول وأيهما له مسحة ملطّفة طفيفة من تفكير الشاعر “إبراهيم وهبة”؟
أقول ما أجمل اليقين إن وجد ! ولكن ما نعرفه هو ما نجهله وكل ما نعرفه هو عمليا يمت للجهل فلذا فظني اليقين أجمله بعدم معرفة اليقين أي بمعنى الظن هي محاولة للالتفاف على اليقين ومن الطبيعي فعل السهولة تكون أقرب إليها ولكنني لا أسعى و حسب للظن بل ما أطمح إليه خرق المألوف ولن أقول لليقين فإذا أميل ربما للظن مع ميلي لليقين !
هل نفهم من قناعتك هذه بأن اليقين مرتبط بالكمال الذي قال فيه الرسام الاسباني “سلفدور دالي” “لا تخف من الكمال فلن تصله أبدا”؟
هي علاقة وفعلا تحدي… من جهة من يكره الكمال… لا أحد… وكلنا وفعلا نطمح للكمال ولكننا بشر … وكما نحن بشر يكون الجمال منا… إذا فعل الكمال يكمن بحق بكوننا بشريين أي محدودين.
لماذا يكتب الشاعر “إبراهيم وهبة” و لمن يكتب و متى يكتب؟
الكتابة لا توجد و بحق أي فعل زمني…. ولكن أشهد بأنني أجمل الكتابات عندما أكون بحق أميل للعصبية وهي تكون أصدق الكتابات
أما لمن أكتب هذا لا يعيرني لأننا وبحق نميل أن نقرأ من الجميع ولكننا نميل وهنا أميل للقول “أدونيس” يكفي قارئ واحد يفهمنا. هذه ليست مازوخية بل من اللزوم في فعل الكتابة وكم يريحنا من التحرر من النص وكم نشعر بسعادة عندما نجد من يتلقفنا.
كيف يهتم قلم الشاعر “إبراهيم وهبة” بالقضايا الراهنة للمجتمع؟
نحن نعيش في عصر السرعة, و نتلقف الأحداث السريعة و كم نشعر بالاغتباط في فعل التثور و تحريك الشعوب بمطالبتها بأحقيتها بالوجود بعيدا عن الاستبداد ولكن نعي أيضا خطورة القوى الاستعمارية والتي تطمح باستبداد الجهل بنا والهدف الاستمرار في تركيع شعوبنا. إذن أنا مع فعل الثورات وبحق و لكن أنبه خطورة التمادي أن كان على حساب فعل وحدتنا كأمة عربية متناسقة وأميل وبحق للفكر العروبي الإسلامي وبحق المتنور،بل و أقول أكثر من ذلك … وأن رغبت أن تسألني عن هويتي فأقول لك بأنني من ثقافة عابرة تخترق المألوف وهويتي من قلبها ينبض الإسلام نوراً.
هل من هذا المنطلق نفهم أن الشريعة و العلمانية في عقل الشاعر “إبراهيم وهبة” تتصف بالحوار الايجابي بينهما؟
أنا ضد التعريفات كما تعلمين أو هذا ما أميل لقوله… نعم فإن التحاور والامتزاج والاختلاف من مكونات ثقافتي. إذن العلمانية والشريعة هي نبض الأمة ولكنها وليس فحسب هناك… هناك أفكار تتسع الجميع ولأننا من ثقافة خلاقة بل أبداعية وجب من ناحية الوعي أن نستدرك بأن قوتنا في غير المعرّف بل قوتنا يكمن في قوة خرق المجهول و دون إسقاطات الوعي و التي تحد من فعل الوعي.
وبين العقلانية والتقليدية، أين يضع الشاعر “إبراهيم وهبة” نفسه؟
ربما عقل التقليدي لأنني لا وبحق لا أجرأ أن أنتقد من هو أعقل مني ؟ تراثنا، أي أنني وبحق أميل لتراثنا ولكن ليس هناك فحسب بل قوتنا في خرق المألوف والغير المألوف مجهول أي نستنبط الماضي ولن نقول لنحضر المستقبل بل نتمم المستقبل بكم قدرتنا باستقباله.
صاحبت كلماتك ألوانا لعدّة فنانين منهم الفنان التشكيلي الفلسطيني “خالد نصار”، فأي انسجام جمع بين اللوحة الشعرية واللوحة اللونية، وكيف تفسّر لنا التناغم القائم بينهما في وجدان الشاعر “إبراهيم وهبة؟
رفيقي المبدع خالد …أعماله تسبق أي فعل كتابة وهو بحق فنان مبدع ربما المشترك فعل المعاناة ولأنه من غزة هاشم وهي أقرب لقلبي، فأترك نفسي الشقية تسحب مع ألوانه الشجية لأعكسها غضبا على فعل الأعداء المشتركين ربما من هناك بدأ فعل الالتقاء وأقول ربما وأضعها في أطار الظن وليس اليقين.
التشبث بالأرض يحتل مكانة مركزية في نثر “ابراهيم وهبة”، فماذا تعني له الأرض؟
هي الحياة …فعل التكور و فعل التبلور و هي الهوية و هي المرقص الانتماء و لا وجود لحياة بدونها. لا أخفي عليك رفيقتي فأنا من برج ترابي فكيف لا تكون الأرض هي الانتماء و هي المدفن و هي مرقد لكل الكلمات. البرج و ليس المقصود المنجمون بل بفعل التراب المكنون، النفس فأنا من حضارة و من التراب إلى التراب نعود.
يقول “تشي جيفارا” “لكل الناس وطن يعيشون فيه إلا نحن فلنا وطن يعيش فينا”، كيف يتكيّف فكر الشاعر “إبراهيم وهبة” مع هذا الحس؟
الوطن هو المنفى …إذا كفعل الإزاحة كفعل الوجود وكم نعشق الوطن فنجحنا بالرغم المنفى القسري وطننا أن نخلق وطن ومن تحت أنف المحتلين، وأقصد الوطن ليس بمعناه الرخيص بالهوية البلاستيكية بل بفعل الوجود وبالرغم الاحتلال إلا بصمودنا وبترابطنا في أرضنا نخلق الميعاد مهما تطاول وفعل المحتلين سنبقى راسخين كفعل جذور الزيتون بأرضنا أغتراس. إذن نحن من امتداد فعل غرسنا الآلاف الآلاف الأعوام باقون كما يقول شاعري المفضل “وفيق زياد” هنا باقون. هنا باقون كأننا عشرون مستحيل من اللد والرملة …
يقول الشاعر الفلسطيني لطفي الياسيني” مازال في الديجور نور، مازال في وطني انتفاضة، مازال في شعبي إرادة، سيظل رغم الاحتلال، لنا على الأقصى السيادة رغم الطامعين”، يقول الشاعر الفلسطيني “سميح القاسم” “لن تكسروا أعماقنا، لن تهزموا أشواقنا، نحن قضاء مبرم”، يقول الشاعر الفلسطيني إبراهيم وهبة” “ستبقى فلسطين شهادة ميلاد، انتصار الحياة على الموت”، كل هذه الإرادة لهذه الأرواح الفلسطينية، كيف تفهمنا مأتاها و صلابة تجذّرها؟
لم يتبقى لي كلمات، باختصار نحن باقون متجذرّون في أرضنا في فلسطين.
يعتقد الشاعر “إبراهيم وهبة” أنه “لا أمل بلا خوف”، كيف تقيّم الجدلية القائمة بين الأمل و الخوف؟
لا أمل دون خوف ولكن الخوف لا يمكن أن يشغلنا وعن حتمية وفعلا لفظ المستعمر الصهيوني من أرضنا هذا هو قسمنا هذا هو وعدنا وحتما لمنتصرون.
فهل تحاجج أم تزيد من موثوقية هذه السطور: سأقتات الأمان من أفواه السباع وسأعتقد في الأمل و لن يكون العيش صراع؟
نعم يا رفيقتي النبض الأمة و هي من قلب نواة أمتنا، ففلسطين ليست شأن فحسب شأننا كما يرّوج له المطبعون بل من قلب نواة أمتنا و عاشت المقاومة. أنا على العهد كما عاهدتموني و لن يكسر قلمي سوى رفاتي.
فأين تكمن إذن “قمة القهر”؟
في القهر نفسه.
أجريت مع ظلك حوار، ما هو فحوى هذا الحوار و ما هي تجلّياته؟
لا أعرف و لكن تجلياتي بقدر أن أكسر كل الحواجز وأن أنبئ المستقبل بمكنون المدفون الذات و أقولها صدقا بكم أعشقك فلسطين نبض الأمة.
“من هناك؟” طرح هذا التساؤل عدّة أجوبة نشرت مفردات و مفاهيم أنجزت توليفة، فكيف يقرأ لنا الشاعر “إبراهيم وهبة” هذه الصورة و كيف يبين لنا خصوصيتها و تميّزها؟
هي عنوان لقصيدة
أجد ملاذي بالهروب فألتجئت حقيقة للشعر لألتف على الشعور وإن مضت عني، فكنت كالنبراس أعشق الأقمار وإن تخلت عني فما كنت إلا بالمرصاد و كل غيي أن أكون بقرب أمتي الصابرة و أن أضنى الحب عني، فستجدني أمامها.
بحث الشاعر “إبراهيم وهبة” عن معنى الوجود، فماذا وجد؟
حبي لفلسطين ألزمني بحب العالمين، ففلسطين كل الوجود.
لقد تكررت كلمة حلم في أشعار “إبراهيم وهبة”، فهل بذلك تؤكد لنا تواصلك مع قول الشاعرة الفلسطينية “عبلة درويش” “ما أجمل الحياة عندما تعيش لأجل حلم حتى لو كان صعبا و ما أصعب الحياة عندما نعيشها بلا حلم”؟
الحلم بدون حلم لا يمكن أن يكون حلم، و لكنني لا أحلم أنا أعيش الحلم حقيقة.
ولكن عندما يصير الفشل ذو ركيزة تتطوّر، و يتحوّل الحلم إلى صخر في مكانه متسمّر، الألم والوجع فقط هو الناتج و المقرّر، كيف السبيل للتحرّر؟
شعبنا له الصبر وله السلوان ومن السلوان المصير وهذه ليست عقائد بل بفعل الوجود. أقولها بصدق لا مكان للفشل واسألي أهل غزة الصابرة والصامدة والتي تصدت بصدورها العارية صواريخ المحتلين فقلبتها بقصف تل الربيع والقدس السمى. يا محلى الموت في سبيل الحرية !؟ ربما ما ألذ الموت في سبيل الحرية ربما و ما أدراني أنا.
يقول الشاعر والمسرحي والناقد الأدبي الانجليزي “توماس ستيرنز إليوت” “إن لم تستطع أن تكون نجما في السماء فحاول أن تكون مصباحا في المنزل”، أين يجد الشاعر “إبراهيم وهبة” نفسه بين النجم و المصباح؟
قنديل” وأجمل ما قرأته من النصوص وبحق ليليوس فوتشيك وهو يحارب النازية بعقر دارها شبه الإنسان كالشمعة إن لم أحترق أنا و أنت فمن يشعل الدرب، فما أجمل الحرق والاشتعال من أجل الإنارة.
أشكرك الشاعر “ابراهيم وهبة” على تواصلك وإلى اللقاء