العبقرية الشريرة بين هوارد جاردنر وإتحاد كتاب مصر
تصادف قراءتى لكتاب هوارد جاردنر “الذكاءات المتعددة” معايشتى لتجربة إنتخابات إتحاد الكتاب العام وفرع شمال الصعيد، ولقد عاصرت تصرفات لأشخاص ليسوا مرشحين ولكنهم يصرون وفى كل مرة على التدخل فى ما قد تفرزه الانتخابات. ولو انتهى الأمر على هذا المنوال لما استحق التأمل، ولاعتبرناه سلوكاً إنسانياً طبيعياً بهدف الإنتصار أو الشعور بالأمان، ولكن أن ينجح هؤلاء فى إقتحام أغوار النفس البشرية واستخراج أسوأ ما فيها، وتسخيره لنشر الشك والفرقة بين الأصدقاء أو لتشويه سمعة مرشح من هنا أو هناك.
الإنسان بجانبيه المتلازمين الخير والشرير طبيعة فطرية مُسلّم بها. ولكن أن تنجح فى استخراج 1% من عنصر الشر المتواجد فى طبيعة إنسان يسود طبعه الخير بنسبة 99%…..فهذه هى “العبقرية الشريرة” أو “الذكاء الشرير” ، وهذا النمط من الذكاء هو ما أغفله هوارد جاردنر فى نظريته “الذكاءات المتعددة”.
كيف تتعرف على صاحب هذه العبقرية الشريرة أو الذكاء المتعدد؟
أولاً: هو عادة ما يكون رجل كل العصور ففى عصر الإتحاد الإشتراكى هو رَجُلُهم وفى عصر الحزب الوطنى هو رَجُلهم وفى عصر الإخوان المسلمون هو أيضاً –ويا للعجب – رَجُلهم.
ثانياً: يحاول –وغالباً ما ينجح – أن يكون صديق جميع الأطراف المتنافسة دون إستثناء. ولكن وفى أحوال نادرة ينكشف بنواياه الحقيقية للكثير. وفى هذه الحالة تتجلى العبقرية الشريرة فى قدرة هائلة على إحتواء الأضرار (Damage Containment) ، ليعود بعد فترة قصيرة للساحة وكأن شيئا لم يكن.
ثالثاً: يستطيع صاحب هذه العبقرية –وبزئبقية عجيبة- التنصل من مواقف سابقة إتخذها ظناً منه أنها تتلاءم مع مصالحه الشخصية، وأثبتت الأيام عكس ذلك، بل وتبنى موقف معاكس تماماً دون خجل أو حياء.
رابعاً: يستطيع صاحب هذه العبقرية أن تعامل مع منافسيه بتكتيكات مختلفة أذكر منها (القضاء “Annihilation” ، الإحتواء “Containment” ، التحييد “Neutralization” ، الإستقطاب “Polarization”)
1- القضاء “Annihilation”: يحاول إيجاد نقطة ضعف شديدة فى شخصية المنافس، عادة ما تكون مالية أو جنسية، فإذا وثَّقها، راجع أوراقه مع هذه الشخصية فإما أن تستسلم له تماماً ويتم إستعبادها، أو يقضى عليها تماماً.
2- الإحتواء “Containment”: وهى مرحلة أقل ضرر وفيها يسيطر على هذه الشخصية باستخدام نظرية أبراهام ماسلو للإحتياجات، فيقوم بتقييم هذه الإحتياجات للفرد المراد إحتوائه هل هى إجتياجات مالية أم عاطفية أم أمنية أم رغبة فى تحقيق الذات أو إدراكه. ثم يوهم أو يغرى هذه الشخصية بقدرته الفذة على تحقيق هذه الإحتياجات. وعندما تؤمن الشخصية بذلك فإنه يكون قد تم إحتوائها.
3- التحييد “Neutralization”: عند تصادف صاحب العبقرية الشريرة شخصية قوية لا يستطيع القضاء عليها أو إحتوائها، فإنه يلجأ للتحييد، بأن يظهر علناً رغبته الدائمة –ولو على عكس ما يضمر- فى الصلح والتواصل ، بحيث لا يترك أمام هذه الشخصية القوية خيار إلا التواصل معه ، وإلا تعرض لنقمة الرأى العام.
4- الإستقطاب “Polarization”: وهى مرحلة أقل من الإحتواء وفيها يتحالف مع بعض منافسيه السابقين من أجل مصالح مشتركة وصعود مشترك. ويستخدم الإستقطاب من المنافسين الأقوياء الذين لم يسبق له معهم أى تصادم أو عداوة.
خامساً: يبرع فى استخدام وابتكار تكتيكات فاسدة أثناء الإنتخابات حتى ولو لم يكن طرفاً فيها، أذكر منها )تكتيك عرائس الماريونت “Marionette” ، وتكتيك القوائم الطائرة “Flying Lists”، وتكيتيك وكيل الشبكات الإجتماعية “Social Media Proxy”(
1- تكتيك عرائس المايونت ” Marionette”: وفيها يقوم صاحب العبقرية بتسليط شخص ما (حقيقى أو إعتبارى) لتشويه صورة (مرشح أو مرشحة) مستخدماً فى ذلك الإشاعات المغرضة دون أدلة وتهييج العواطف واستغلالها، وأقصد باستغلالها، أن يساند ظاهرياً نقطة معينة أو موضوع معين يعلم بمدى تأثيره لدى الجموع ، دون أن يكون المحرض أو الماريونت مؤمناً بما يقول.
2- وتكتيك القوائم الطائرة “Flying Lists”: ويستخدمه بصنع العديد من القوائم منها من يؤيده ومنها من لا يؤيده بهدف إحداث البلبلة وإشعال الفتنة بين المتنافسين، وهذا يحدث فى الجهات التى تنتخب مجالسها بالنظام الفردى. وتختفى القوائم الطائرة فى النقابات التى تنتخب بنظام القوائم، ففى هذه الحالة تكون القوائم معلنة. وعادة ما يحقق من يستطيع أم يتقافز بين أكبر عدد من القوائم أعلى الأصوات، بشرط ألا ينكشف أمره إلا بعد إعلان نتيجة الفرز.
3- وتكيتيك وكيل الشبكات الإجتماعية “Social Media Proxy”: إدراكاً من صاحب العبقرية بأهمية وقيمة شبكات التواصل الإجتماعى وخاصة الفيس بوك، فإنهم يختارون من يقوم عنهم بالعديد من المهام من خلال شبكات التواصل من الإعلان عن الأنشطة والترويج لسيرتهم الذاتية وحتى محاربة الأخرين ، وهم بذلك يستطيعون التنصل منهم بكل سهولة بل ونفى إنتسابهم إليهم إذا استدعت الضرورة.
وفى الختام ….لقد قابلت العديد من الصعاب عند تطبيق معظم نظريات التغيير الإجتماعى وإبداعات التنمية البشرية فى مجتمعاتنا، بدءاً من عادات ستيفن كوفى الثمانية وحتى موديل التغيير لجون كوتر، حيث يبدأ ستيفن كوفى فى تغيير النفوس من محطة تسمى (تراستورثينيس) (Trustworthiness) وهى كلمة باللغة الإنجليزية تعنى أن يكون الشخص جديراً بالثقة، وهى محطة نحلم فى بلادنا أن نصل إليها، حتى يمكننا أن نبدأ فى تطبيق النظريات الحديثة فى التغيير. وهذا يوجب علينا أن نبتدع علماً خاصاً بنا فى التغيير يمكنه أن يعبر بنا مناطق غير ممهدة بالنسبة لنا، من إفتقاد الثقة فى الأفراد وحتى العبقريات الشريرة التى تترعرع وتنمو فى مجتمعاتنا، بينما يحيطها الغرب بسياج من الأخلاقيات المجتمعية يمنعها من الترترع ويقضى عليها مبكراً ، حتى نصل إلى بدايات التغيير فى العالم الغربى التى تنطلق جميعها من نقطة ……………التراستورثينيس.