المأزق العربى وتمزق العرب
هذا المقال تم نشره فى إفتتاحية مجلة (القادمون) العدد الثالث
والتى كانت تصدرمن نادى أدب قصر ثقافة المنصورة 1998وكنت رئيسا للنادى ورئيسا للتحرير .. وكان المقال يتضمن كلاما خطيرا عما يحدث اليوم .. ومرجعى فى هذا المقال كتاب ( الإستيطان الأجنبى فى الوطن العربى ) للدكتور عبد المالك خلف التميمى وصادر عن سلسلة عالم المعرفة بالكويت عام 1983 العدد رقم 71
ونحن نناقش المأزق العربى فى مواجهة التطبيع لابد لنا أن نضع نصب أعيننا إحدى الوثائق السياسية التى تتناول الخطة الصهيونية للشرق الأوسط فى الثمانينيات وتم نشرها فى أمريكا عام 1982 ..
لن أدخل فى أدق تفاصيل هذه الوثيقة الخطيرة التى تتحدث عن ضرورة تفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة .. ولكن سنأخذ منها بقدر ما يناسب الموضوع والمساحة .. تقول الخطة وهى تتناول الوضع فى مصر :
(إن مصر مقسمة إرباً إربـــاً إلى عدة مراكز قوى .. فإذا ما تجزأت مصر فإن بلادا مثل ليبيا والسودان وحتـــى الدول الأكثر بعداً عنها لن يكتب لها البقاء على صورتها الحالية وستلحق بمصر عند سقوطها أو إنحلالها ..
والرؤية المتمثلة فى دولة قبطية مسيحية فى صعيد مصر بجانب عدد من الدول الضعيفة ذات قوى محلية وبدون حكومة مركزية كما هى الحال حتى الأن هذه الرؤية هى المفتاح لتطور تاريخى أصيب بنكسة بسبب إتفاقية السلام .. ولكنه يبدو حتمياً على المدى البعيد ) .
وبنظرة فاحصة لما يدور حولنا لا نجد صعوبة فى رؤية أصابع إسرائيل وهى تنفذ الخطة .. فالحرب الداخلية فى السودان .. وفى الجزائر .. والعقوبات فى ليبيا ..والحصار والحرب ما زالا يسدان الطريق أمام العراق ..ولبنان تتجرع الألم ..وفلسطين ما تزال ورقة يتم اللعب بها وعليها من الأردن .. وسوريا ماتزال فاقدة للجولان ..والكويت فى كف أمريكا لا حول لها ولا قوة .. وزرع الفتنة فى مصر بين المسلمين والمسيحين واللعب على وتر فصل الجنوب عن الشمال ما يزال ورقة تلعب بها إسرائيل سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال التغلغل الصهيونى الإعلامى وغير ذلك من الوسائل .. إذن فالمأزق ليس مأزقاً فى مواجهة التطبيع … وإنما المأزق الحقيقى هو المأزق العربى الإسلامى ،ولننظر ماذا تقدم الخطة أيضاً :
تجزئة لبنان بأكملها إلى خمس مقاطعات من شأنه أن يخدم كسابقة للعالم العربى بأجمعه بما فى ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية .. بل هو بداية مسيرة فى هذا الإتجاه . وتجزئة سوريا والعراق فى مرحلة لاحقة إلى مناطق عرقية ودينية خالصة كما هى الحال بالنسبة للبنان هو الهدف الإسرائيلى الأول على الجبهة الشرقية على المدى البعيد .. كما أن إنهاء القوة العسكرية لهذه الدول يعتبر الهدف الإسرائيلى الأول – ولاحظوا ما يحدث فى العراق الأن – وستنقسم سوريا إلى عدة دول طبقاً لبنيتها العرقية والدينية كما هو الحال فى لبنان فى الوقت الحاضر .. وبذلك سيكون هناك دولة شيعية علوية على طول الساحل السورى ودولة سنية فى منطقة حلب .. ودولة سنية أخرى فى دمشق معادية لجارتها الدولة السنية فى الشمال .. وكذلك الدروز الذين سيقيمون دولة لهم .. وربما كان ذلك حتى فى الجولان المحتلة .. ولكن من المؤكد – هكذا تقول الخطة – ستكون فى حوران وشمال الأردن .
والعراق –وما نزال فى الخطة – بما فيه من ثروة نفطية من ناحية وما فيه من تمزق داخلى من ناحية أخرى ، قد أصبح مرشحاً مضموناً لأهداف إسرائيل .. وتجزئته أمر أكثر أهمية لنا من تجزئة سوريا – أقوى من سوريا .. وعلى المدى القريب فإن القوة العراقية هى مكمن التهديد الأكبر لإسرائيل – إن حرباً عراقية إيرانية سوف تمزق العراق إلى أجزاء تؤدى إلى سقوطه داخلياً قبل أن يصبح قادراً على تنظيم صراع واسع النطاق ضدنا – وكلنا نذكر حرب العراق وإيران بعدها مباشرة حرب الخليج – وكل نوع من أنواع المواجهة العربية الداخلية ما بينهم سوف تساعدنا على المدى القريب وسوف تختصر الطريق إلى الهدف الهام المتمثل فى تقسيم العراق إلى مقاطعات وفق تقسيمات عرقية دينية كما حدث فى سوريا أثناء العهد العثمانى فأمر ممكن .. وهكذا فإن ثلاثة ( أو أكثر) من الدول يمكن لها أن تتواجد حول المدن الرئيسية الثلاث : البصرة وبغداد والموصل .. وسوف تنفصل المناطق الشيعية فى الجنوب عن السنية والأكراد فى الشمال .
كما تتحدث الخطة أيضاً عن ولعهم بسيناء وتمسكهم بإستعادتها وكأنها أرض إسرائيلية سلبتها مصر منهم ويريدون إستردادها .
إن إستعادة شبه جزيرة سيناء بمواردها الحالية والمحتملة هى لذلك أولوية سياسية يقف فى طريقها إتفاقيتا كامب ديفيد ومعاهدة السلام .. وتعترف الخطة بأنهما خطأ سياسى وحكومى كبير .. وتستمر الخطة :
وأمام إسرائيل طريقان رئيسيان لتحقيق هذا الهدف من خلالهما .. أحدهما طريق مباشر والأخر غير مباشر .. والإختيار المباشرهو أقل الطريقين واقعية وذلك بسبب طبيعة نظام الحكم والحكومة فى إسرائيل .. وكذلك بسبب حكمة السادات التى أدت إلى انسحابنا من سيناء الأمر الذى كان يمثل بعد حرب 1973 إنجازه الرئيس منذ تسلمه السلطة .. ولتقوم إسرائيل بنقض المعاهدة من طرف واحد إلا إذا تعرضت إسرائيل لضغوط إقتصادية وسياسية شديدة وقامت مصر بتقديم المبرر لإحتلال سيناء من جديد بأيدينا للمرة الرابعة فى تاريخنا القصير إذن ما يبقى أمامنا هو الخيار غير المباشر .. إن الوضع الإقتصادى فى مصر وطبيعة النظام الحاكم وسياسته العربية الجامعة سوف تخلق كلها موقفاً بعد إبريل 1982 ستجد إسرائيل نفسها فيه مجبرة على العمل مباشرة أو بصورة غير مباشرة كى تستعيد السيطرة على سيناء كاحتياطى استراتيجى واقتصادى وطاقى للمدى البعيد .. ومصر لا تشكل مشكلة عسكرية استراتيجية نتيجة لصراعاتها الداخلية ولأنه يمكن طردها إلى الخلف إلى الموقف الذى كان سائداً قبل حرب 1967 خلال مدة زمنية لا تزيد عن يوم واحد .
وهكذا فإن مصر بالنسبة لهم لا تعدو أن تكون فريسة يسهل إلتهامها فى أى وقت ..حيث وصفتها الخطة فى أحد المواضع أنها (جثة).. فهل نحن ما نزال جثه !؟…….
أعتقد أن السياسة المصرية سواء فى جوانبها الإقتصادية أو العسكرية قد بعثت الروح فى الجثة التى كانت تتعامل معها الخطة .. ولا شك أن (العمار) الذى إستوطن سيناء الحبيبة .. والجيش الذى إستردها من غاصبيها وهو الأن لا ريب حاميها يقضى على ((الهستيريا الإسرائيلية)) بالحلم بإستعادة سيناء .. والنغمة الإقتصادية التى يدورون حولها لزعزعة مشاعر المصريين إنما هى نغمة نشاز ورؤية ضبابية فإصلاح المسار الإقتصادى يمضى على قدم وساق .. وتخضير وتوسيع الرقعة الزراعية فى مختلف صحارى مصر يدحض مقولة المعاناة الإقتصادية .
لكل ما سلف فإن المأزق العربى – فى رأيى – يظهر جلياً فى إجابة الرئيس حسنى مبارك على سؤال المذيع الفرنسى حول القمة العربية وإعلانه أننا وجهنا الدعوة الى كل الدول العربية دون النظر إلى الخلافات أو الصراعات أو التوجهات السياسية والعسكرية فيما عدا العراق .. وحاول الرئيس – كما قال فى إجابته – أن تكون العراق داخل الصف العربى لكن معظم الدول العربية هى التى رفضت مشاركة النظام العراقى .. وكنا نتمنى وما زلنا أن يبذل الرئيس مبارك والدبلوماسية المصرية أقصى ما يمكن بذله من جهد لتشارك العراق فى هذه القمة .
من هنا فقط يمكن أن تتولد بداية حقيقية لمواجهة المأزق العربى أولاً .. ليكون العرب مؤهلين بعد ذلك لمواجهة المأزق العربى الإسرائيلى وغيره من المواجهات المستقبلية ثانياً .. وذلك على قاعدة إقتصادية موحدة وقوية تستطيع الصمود فى حرب الموارد التى هى أساس كل الحروب والمواجهات فى المستقبل وتضع البداية الحقيقية للوحدة العربية التى هى حلم الجميع .. ومأزق الجميع .. ورعب جميع الدول الأوروبية والأمريكية .. ودوامة ذوبان إسرائيل والقضاء على خطتها المزعومة .