النوبة الغريقة بلا كهرباء

المؤرخ النوبى يحىي صابر
بقلم المؤرخ النوبي يحيى صابر
الظلام الدامس كان يكتنف قري النوبة الغريقة حيث لم يكن هناك كهرباء فقد توقفت كل اسباب المدنية عند الشلال ولم تتحرك جنوبا بدءا من السكك الحديدية والطرق المسفلتة والكهرباء وانتهاء بالجمارك وكأن حدود مصر تنتهي عند مدينة اسوان وكأن 400 كيلو متر من ارض مصر خارج نطاق الدولة والمدهش ان الكهرباء المولد من محطة خزان اسوان كانت لنتيجة غرق بيوتنا وكان من الواجب تعويضنا بجزء منه بدلا من التعويضات المادية الهزيلة
ولكننا تأقلمنا مع ذلك الوضع وقد تمتعنا بمشاهدة النجوم والكواكب وتمتعنا بضؤ القمر وكنا نلعب ونلهو في الليالي القمرية ومن المؤكد ان اهل المدن لم يشاهدوا الهالة الدائرية التي تحيط بالقمر في بعض الليالي وكنا نتفائل بتلك الهالة الدائرية الكبيرة التي تتوسطها القمر
وقد ذكر الفنان وردي تلك الهالة في احدي اغنياته (اوناتي كيويل دافيداني ) أي ان حبيبته مثل القمر حينما يتوسط تلك الهالة والقرية كانت تتلألأ عند انتصاف الشهر العربي أي ليلة 14 وقد وصف الشاعر حبيبته قائلا (ديمي كيمسون اوناتي ) أي قمر اربعتاشر و(ديمي ) تعني عشرة و(كمسو) تعني اربعة و(اوناتتي) تعني القمر وكان مألوفا ان نسمع اصوات الضفادع وكذلك عواء الذئاب وكانت صفحة النيل تتلألأ حيث تعكس اضواء النجوم المتناثرة في السماء وكما وصفها باتقان الفنان محمد وردي في رائعته (الطير المهاجر)حيث قال وان جيت بلادنا وتلقي فيها النيل بيلمع في الظلام زي سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام ..
وكانت آفة الليل العقارب والثعابين السامة ولقد راح ضحية العقارب اطفال في عمر الزهور كانوا يلعبون ويلهون صباحا ثم صرخة اللدغة في المغرب ثم خارج نطاق الحياة عشاءا لأن العلاج الوحيد الذي كان متاحا هو التشريط مكان اللدغة والطفل المسكين يبكي ولايعرف مكان اللدغة ويكون السم اسرع للوصول الي قلبه الضعيف ..
وكانت تلك من سلبيات النوبة الغريقة ولكن النوبة المستنسخة تعيش حياة المدنية بكل صورها ولكن للاسف سحبت معها الكثير من رصيد اخلاقياتنا التي توارثناها ….يحيي صابر