الوجهُ الأخر للتجريدِ .. في أعمال الفنانة / مها عثمان

بقلم الناقد: سيد جمعة – مصر
همّ يعتقدونَ أن التجريدية تعنيِ الإبّتعادِ عن الواقع، ولكنّها كَثيراً ما تعني العكسُ تماماً ، فأنتَ تقتربَ مُنهُ .. إِنّها أقربُ إلي الّتفاهم العاطفيِ ” . هنري مور
تُحققُ الفنانةُ القديرة / مـــهــا عــثــمــان.. هذه المقولة من خلالِ رحلة تجارب فنية، وقراءاتٍ فكريةٍ وبصرية علي مدي مشوارها الإبداعي الزاخمُ بالمهاراتِ والقدراتِ الخاصة، وأيضا من خلال القفز بين المدارس والمذاهب الفنية المتعددة ليكون ذلك في النهاية داعمٌ رئيسي لها، وهي تُقدمُ بخطيً ثابتةً لِتعتلي مَنصتِها المتفردة في الإبداعِ.
ولعلَ ما يُميزها ليس فقط قدراتِها وتجاربها الخاصة ونجاحاتها السابقة، لكن هي تملكُ بصيرةً فكرية، وبصرية غير محدودة، إِثر ثراء و تراكم معرفي حريصةُ عليهِ .
إن هذا التمكن الرائع الذي نلمسهُ جلياً في الأعمالِ المُتاحةُ لنا ، يؤكدُ أن المُبدعةُ تطوي أدواتها وخاماتها بيسرٍ بين أيديها ، وتقدمُ بجسارة بفرشاتِها أو سكينةِ معجونِها وألوانِها إلي سطح اللوحة تضعُ كل شيء في مكانهِ ، ودرجاتهِ ، حاسبةٍ الفراغاتِ ، والتأثيراتِ المتبادلة بين كل عنصرٍ من عناصر اللوحة حتي درجاتِ الإضاءة ، والظلالِ ، وكأن هذه العناصرِ آلاتِ عزفٍ في سيمفونية موسيقية تعرفُ دورها وتأثيرها في اللحنِ البصري ، إن هذه الهارمونية والإتساق والتكامل بين مجملِ هذه العناصر تشحذُ بقوةٍ ورقةِ فكر و وجدان المُتلقي لِيحصدُ زمناً مثيراً للمتعةِ الفكرية والبصرية آملاً مُضاعفتهُ من فرطِ نشوةِ الإحساس بهذه القدراتِ الجمالية المُتجسدة في اللوحات ، وعمق تجسيد ” الرؤية الفكرية ” من خلال الأيقونات المنثورة بعنايةٍ ومهارةٍ . لِيدرك كما أدركت المُبدعة ” إن التجريد ليس هو الابتعاد عن الواقع ، وإنما هو إبتعاد فنيٌ عنهُ ، لمزيدٍ من الإقترابِ مِنهُ ، كما قال ” هنري مور “