بيت القصيد وطن
هذا المساء كانت الأوزان والقوافي في حالة ثورة وصخب أنثوي لا يضاهى.. فجأة غضب الشعر كثيرا مني وقرر الغياب … وفجأة ترددت قصيدتي لحظة قبل أن تستجمع قواها لتصفعني وتغلق كل أبوابها وأبياتها خلفي معلنة حالة من التمرد والعصيان في وجهي ..
أنت شاعر فاشل وإن لم تطلقني فضحتك أو خلعتك هكذا صرخت في وجهي ورحلت
كانت قصيدتي امرأة جميلة جدا ..امرأة لم يستطع الفقر والمحن أن يكسرا شوكة كبريائها أو يَحُدَّا من جمال نظرتها الثاقبة والقوية رغم ضعفها امام كل العالم
كانت ذكية بالقدر الكافي الذي جعلني أغرم بها واختار السهر في حضنها كل ليلة والاستماتة في الدفاع عنها كلما حاول أحد انتقادها أو الاقتراب من بيتها أوصغارها
وقصيدتي لا تشبه كل النساء, هي نادرا ما تضحك وان حدث وفعلت فبالتأكيد لتمنح العالم بعض الفرح الذي هجرها مُذ كانت طفلة فتية لاتعي من الحياة غير ماتحاجه لتسد به رمق يُتمها اللغوي والفكري
هذا المساء ثارت قصيدتي ورمت في وجهي بكل معاني الحب والأمل التي ظلت لزمن تدفؤ بيتنا الصغير وتظلل أركانه الشعرية
خرجت غاضبة وحبلى.. حبلى بكل ماتيسر من يأس وعجز وتراكم للألم والفقر وحبلى بكل ما تيسر من حبي لها
كانت تحمل آخر جنين فكري مني في أحشائها وأصغر أطفالنا على كتفها وكسرة خبز يابسة ونظرة انكسار قاتلة زودت من حدتها لعنة الحروب والدمار التي كنا نعيش في خضمها ومن ثمة رحلت دون أن تلتفت الي
هممت بالركض خلفها للحظة لكني راهنت على عودتها فلا مأوى يضمها غير بيت شعري تبنيه أناملي لها ولا معنى لها خارج ما أرصُّهُ لها من قوافي وأوزان حتى وإن لم يكن بيتي مشيدا على ضفاف بحور الشعر المعتادة
قبل أن تسطع شمس هذا الصباح في عيون الشعر كانت قصيدتي قد ماتت ولفظت آخر أنفاسها خارج بيوت الشعر والنثر وكل أشكال الكتابة …ماتت قبل أن تبوح للأرض بسر عشقها لها و قبل أن تصالحني …
ماتت قصيدتي وهي حبلى بالحب وبالغضب
يقول ييتُ شِعري الصغير في تلعثم
كانوا ثلاثة جنود يسكرون يا أبي
قال الأول هي حامل بصبي
قال الثاني بل حامل بنبيِّ
قال الثالث بل بتوأم
ولتعدوا لها القبر والكفن
وحين بقروا بطن أمي يا أبي
وجدوا قصيدة حب وهذا الوطن