على الرغم من أن الفتنة تعتبر أكبر معول لهدم استقرار وأمن البلاد التي تعاني بالفعل اضطرابًا إلا أن  السلطة في مصر ساعدت على بث الروح الطائفية خاصة منذ سيطرة فصيل واحد على الحكم واستبعاد كل القوى والحركات السياسية المختلفة وخلق الأضغان بين التيارات المختلفة خصوصا وأننا أصبحنا الآن لسنا مسلمين ومسحيين فقط بل تم تقسيم المسلمين إلى سني وشيعي والسني اخواني وسلفي ووسطي فضلا عن العلمانيين والليبراليين والاشتراكين وغيرها من المسميات التي تعمل على تفتيت الأمة خاصة وأنها عملت بالفعل على بث الفتنة ومن هنا انتقل الخلاف من السياسة إلى الطائفية.

أصبحنا الآن في عصر النهضة نرى من يسمون أنفسهم برجال الدين يستخدمون لغة وأفعالا مستفزة ويقومون بالسب والشتم والتهديد ونرى منهم من يمزق الإنجيل ويخرج بكفالة ليستمر في مواصلة رسالته المسيئة التي تدعو للتخريب والإفساد ومنهم أيضا من يدعو لأعمال العنف وربما قتل المعارضين بدعوى الجهاد وذلك من خلال قنوات تعمل على بث الفتنة وذلك دون تلقى  محاسبة قانونية وكأن دولة القانون غابت وأصبح من الحرية التعدي على معتقدات الغير، متناسين حرمة الدم الذي عصمه الإسلام وأن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) أوصى بأقباط مصر خيرا.

فمصر تعيش الآن وضعا صعبا نرى فيه عندما تخرج مظاهرة سلمية رافضة للعنف يتم مواجهاتها بالقمع والقوة المفرطة وعنف أقوى وذلك لأن مطالب الإصلاح لم تلب منها شئ وأن السلطة لا تسمع لنصح أهل الخبرة وفي نفس الوقت لا تخطو خطوة في اتجاه الإصلاح، ولكن نحن الآن ازاء مرحلة لا يتم التعدي فقط على المتظاهرين بل أصبح الوضع أنه كلما تشيع جنازات لضحايا يسقط ضحايا ومصابين جدد وهذا هو الشاذ والغريب في الأمر، فهناك من يجد تبرير للتعدي على المتظاهرين بقول “إيه اللي وداهم هناك أصلا” فهل سيكون المبرر في هذه المرة “إيه اللي وداهم تشييع جسامين ذويهم من الضحايا”. 

ونجد هذا المشهد المؤسف المتعلق بأحداث الخصوص التي يقال أنها بدأت بين طرفين سواء كانوا مسلمين ومسلمين أو مسلمين ومسحيين إلا أن هذه الاشتباكات تحولت إلى اشتباكات بالأسلحة لذا سيكون سبب وقوع الضحايا هو وجود السلاح فهل أصبح من الطبيعي حوزة المواطنون للأسلحة؟ فإن لم يكن هناك سلاح لم يقع ضحايا، وإن كان هناك وعي ديني واتباع للتعاليم الدينية الصحيحة أو أن كان هناك أحد الحكماء لما وقعت الفتنة التي راح ضحيتها ستة مواطنين.

على الرغم من أن حصيلة هذه الاشتباكات ستة قتلى منهم خمسة مسيحيين ومسلم بالإضافة إلى عدد من المصابين إلا أن الدم يبدو أنه أصبح سهلا في زمننا والدليل على ذلك هو أنه لم يتدخل أي مسئول لنزع فتيل الانفجار ويبدو أن الدولة عاجزة عن حماية المواطنين وتأمين حياتهم فيبدو للعيان أن الدولة غير موجودة أصلا.

وعند الوقوف على الأسباب الحقيقية لمثل هذه التوترات الطائفية نجد أن السبب الأساسي وراء هذه الأحداث هو غياب دولة القانون لذا لايجوز معالجة القضية بالطريقة التقليدية بأن يعانق شيخ قسيس ونرفع شعار تحيا الهلال مع الصليب لأنها طريقة قديمة كان يستخدمها النظام القديم لتقوم بدور المسكنات ليس أكثر ولكنها لا تعمل على اجتثاث الفتنة من جذورها لذا لابد أولا من تحقيق المواطنة وتفعيل معناها لدى الأفراد والتأكيد على وحدتنا وذلك عن طريق القانون بصفته المحرك الأساسي والحل لكل الأزمات الموجودة في مصر الآن وبما أن جميع المواطنين متساويين في الحقوق والواجبات أمام القانون ، لذا يصبح الحل هو تطبيق القانون ولا شئ سواه.

ويبقى السؤال في النهاية من مصلحته أن يزج بهذا الوطن في نار فتنة عارمة؟! وهل سيترك من بيده مقاليد الأمر الوضع هكذا بدلا من أن يسرع بسد بابها؟! ومتى سنمحو كلمة <الطائفية> من قاموس حياتنا بما أننا جميعا مصريين؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *