حسن البنا… لماذا نحبه؟ ولماذا يكرهونه؟
شهدت البشرية من غير الانبياء والرسل والصحابة رموزاً وشخصيات مؤثرة في شتى المجالات وشتى الدول والاقاليم وقد تنوعت هذه الرموز في الديانات والتخصصات والامور التي قدمتها للبشرية والرسالة والافكار التي صارت علامة بارزة عنها توارثتها الاجيال بين مؤيد لها ولأصحابها وناشر لها وبين محارب لها ورافض، ومن بين هذه الشخصيات المؤثرة والتي كان لها محبون واتباع بالاتفاق بين جميع الاطراف هو الامام حسن احمد البنا رحمه الله مؤسس جماعة الاخوان المسلمين.
في بداية فبراير تكون ذكرى استشهاده رحمه الله عام 1949 ومن هنا نسلط الضوء على اسباب محبة هذا الرمز واسباب كرهه عند البعض من وجهة نظري الخاصة، من الطبيعي ان لا ترضى الامة او البشرية عن احد بأكملها او ترفضه بأكملها ولذلك سأتناول هذا الامر على قسمين محاولاً شرح مجموعة من الاسباب مع بعض الايجاز مجتهداً باستيعاب الامر وبالنهاية سأضع رأيي بكل صراحة.
حب وتأييد
يحب ويؤيد حسن البنا الكثير لاسباب منها:
1 – حرقته على الامة الاسلامية والدين منذ صغره فقد تربى في بيت دين وطاعة عند ابيه عالم الحديث ومنذ صغره كان يحب العلم والامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اجواء كانت الافكار الدخيلة على الامة تنتشر وبدأت الناس تضيع هويتها الاسلامية، بعد سقوط الخلافة العثمانية واحساسه بخطر ذلك الامر وتضييع الامة لهويتها من خلال سقوط حكم الاسلام وانتشار الافكار الدخيلة عليها من قوميات وعلمانية وتحرر من احكام الدين فبادر بالتحرك والدعوة لتأسيس جماعة تعيد مجد الاسلام والالتزام فيه للمسلمين من خلال اصلاح الفرد المسلم – البيت المسلم – الامة المسلمة ثم استاذية العالم.
2 – حرصه على الاسلام الشمولي الذي يغطي جوانب الحياة كلها ذلك الاسلام الذي لا يهتم لجانب ويترك آخر او يتجاهله فهو كما قال رحمه الله (الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء ) وقد شهدت الامة افكاراً وشخصيات تدعو لجوانب او جانب دون اخر مثل من يجعل الاسلام فقط جانب روحي او جانباً سياسياً او جانباً اجتماعياً وغير ذلك مما ينفي حقيقة الاسلام.
3 – نشاطه الدعوي والعلمي بكل قوة وانتشار فمن يصدق انه رحمه الله استشهد وعمره في بداية الاربعينات وترك كل هذا الجهد الكبير في سنوات معدوده بالدعوة وقد انتشرت دعوته وتوسعت جماعته بقوة في مصر والعالم الاسلامي فقد كان يبذل الغالي والرخيص ولا ينام الا القليل فتجده تارة واعظاً وتارة معلماً وتارة سياسياً مخضرماً لم يكن هناك شيء يوقفه فدخل المقاهي ليدعو الناس ودخل عند الكبراء والاعيان ونصحهم ودعاهم واستجاب له الكثير وتنقل من مكان لاخر ودخل عالم الصحافة واسس صحيفة ففي كل ميدان تجد له اثراً ومكانة في تسخير جهوده للدعوة الى الله ومع ذلك لم يترك ميدان العلم وكانت له رسائل كثيرة تم تجميعها في كتب في كافة علوم الشريعة الاسلامية ومن يقرأ يجد انساناً متمكناً ومتمرساً فهو متخرج من دار العلوم.
4 – كانت قضاياً الامة الاسلامية وخاصة فسلطين لا تبرح مخيلته وتفكيره وكان الجهاد في سبيل الله تحبه نفسه وكان المتطوع رقم 1 في الجهاد فلم يكن منظّراً فقط بل كان رجل ميدان بكل ما تعنيه الكلمة حتى انه واخوانه من الدعاة كانوا يتذاكرون احوال الامة فما ينتهون الا والبكاء والحزن عندهم من شدة الحرقة على الامة.
5 – مع وضوحه الفكري والاعتقادي وكان هذا الامر واضحاً في رسائله وبالذات الاصول العشرين في رسالة التعاليم بكل الجوانب الفكرية والاعتقادية لكنه رحمه الله كان يحب ان يجمع الكل على كلمة سواء ويقرب بين الافكار والاراء ويلتزم الخيار المتوسط المقاربة في وجهات النظر واذابة الخلافات بين الافراد والجماعات حتى في ادق الامور فذات مرة اختلف البعض في حكم الاذان فقال لهما ان الاذان سنة واخوتكما واجبة فهو يتعاون مع الكل من اجل الغايات المشتركة بالوسائل الصحيحة وقد استعمل مقولة الشيخ العالم محمد رشيد رضا رحمه الله (نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه ).
وهذا حصر بسيط وتبسيط لبعض الاسباب ولا يغني ذلك عن التوسع في ذلك.
مآخذ وانتقادات
بعد أن اوضحنا لماذا يحب ويؤيد البعض حسن البنا لنأخذ بعض الآراء الاخرى التي عندها مآخذ وانتقادات وسأقوم بالتعقيب عليها:
1 – يأخذ العلمانيون وحتى بعض الاسلاميين ان حسن البنا اقحم السياسة بالدين وانشأ جماعة تقوم بما يسمى بالاسلام السياسي وهذا الامر باطل لان الاسلام والسياسة امران لا انفكاك بينهما وهذا الامر واضح بالتشريع الاسلامي وبالقرآن والسنة وافعال الصحابة والتابعين ودول الاسلام كلها فمتى كانت السياسة لا دخل لها بالدين! ولذلك اتى البنا رحمه الله ورفع شعاراً واضحاً واساساً بالدعوة ان الاسلام نظام شامل لتكون هذه رسالة صارخة في وجه من يأتي لاختزال الدين في جانب دون جوانب اخرى.
2 – ويأخذ البعض عليه تأسيس جماعة وبأن هذا الامر يعني تمزيق المسلمين واختزال الاسلام في هذه الجماعة وهذا الامر باطل لان الاخوان هي جماعة اتت للدعوة بالعمل المنظم وهناك قاعدة وهي (ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ) ولا تقوم الدعوات والمشاريع بكل انواعها الا بالتنظيم والترتيب الواضح فالنبي صلى الله عليه وسلم امر الثلاثة اذا سافروا ان يقوم واحد منهم بالامارة فما بالنا بعمل بحجم الامة وضخامة الدعوة وتوصيله للناس، الاخوان بكل وضوح هم جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين التي لا تخطئ وليس كل من يخالفها يخالف الاسلام وشهدت مواقف كثيرة للسلف الصالح ومن بعدهم مثل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله مشروعية تولي مجموعة او جماعة للدعوة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا العصر وتنوع الوسائل فيه يحتم قيام العمل الجماعي.
3 – يعتقد البعض ان حسن البنا لديه هفوات بالاعتقاد وهذا الادعاء غالباً اتى من النقل الخاطئ من بعض الخصوم وعدم الرجوع المباشر لكلام الامام او عدم جمع كلام الامام كله في النقطة ذاتها او عدم تمييز ما قاله كتجربة سابقة وقد قام بالتعليق عليها وللامام مواقف وكلام واضح في الاصول العشرين الدقيقة والتي تعتبر اساس فكره رحمه الله ومثلاً:
أ- ماهي المرجعية للمسلمين وكيف نفهم ذلك فقال (والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام، ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات).
ب- امور التصوف المنحرف والقبورية والشركيات فقال :(وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله في قلب من يشاء من عباده، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه) وقال (والتمائم والرقي والودع والرمل والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة الغيب، وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته إلا ما كان آية من قرآن أو رقية مأثورة ) وقال (وزيارة القبور أيا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة، ولكن الاستعانة بالمقبورين أيا كانوا ونداءهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وسترها وأضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها، ولا نتأول لهذه الأعمال سدا للذريعة) وقال بوضوح (ومحبة الصالحين و احترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة إلى الله تبارك وتعالى، والأولياء هم المذكورون بقوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)، والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية، مع اعتقاد أنهم رضوان الله عليهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا في حياتهم أو بعد مماتهم فضلا عن أن يهبوا شيئا من ذلك لغيرهم ) وايضاً له فصل واضح في مذكراته اسمه (رأي بالتصوف) يشرح فيه موقف من التصوف وتاريخه.
ج – في الاسماء والصفات قال (ومعرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه، نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء، ويسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وايضاً فقد اوضح البنا كثيراً عن الابتعاد عن منهج اهل الكلام وادخال الامور العقليات بالغيب وهذا منهج سلفي واضح وقام رحمه الله بشرح العديد من الصفات في تفسيره بشرح معانيها بوضوح وايضاً شرح بعض الاحاديث التي فيها الصفات وهذا عكس منهج المفوضة بالصفات.
د- موقفه من التكفير (ولا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض ـ برأي أو بمعصية ـ إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلومة من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر ).
هـ- تذاكى البعض فقال ان البنا يقول ان خصومتنا مع اليهود في فلسطين ليست دينية فقاموا بالتشكيك في ولاء وبراء رجل صب جهده في نصرة الاسلام والبذل لفلسطين تحديداً وفعلاً لا خطأ في ذلك فخصومتنا ليست مع اليهود بكل العالم بل مع الصهاينه الذين يحتلوننا ومن يؤيدهم ولسنا خصوماً لكل النصارى بالعالم بل مع من يعتدون علينا فهذا من ناحية الحرب والمعاملة وليس من جانب الدين فأين الخطأ في ذلك!!
4 – يقول البعض ان منهج البنا هدفه الانقلاب على الحكم واسقاط الدول وهذا باطل لانه قال بوضوح ان هدفه ان يُحكم بالاسلام فلم يدعو ابداً لاسقاط الدول وان الاخوان يجب ان يتولوا الحكم وحتى اتباعه وصلوا باختيار الشعوب بكل شفافية دون تزوير.
5- يعتقد البعض ان البنا بنى جيلاً يعظمه الى درجة التقديس والقارئ لفكر البنا وحياته يعلم بطلان ذلك حتى انه في احد الاجتماعات هتف احد الاخوان باسمه فغضب ووبخه وقال اننا نبني الدعوات وليس الاشخاص وقال ايضا بالاصول (وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه، و إلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع، ولكنا لا نعرض للأشخاص ـ فيما اختلف فيه ـ بطعن أو تجريح، ونكلهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا) ولا يؤاخذ الامام بأي شخص يمجده ويغلو به (ان وجد) فحتى الصالحين والصحابة هناك من قدسهم فلا ذنب لهم والامام البنا لا قدسية لكلامه وافعاله بل هو يخطئ ويصيب ويناقش فكره ويتم البحث فيه بكل تجرد.
ان اكبر دمار لاي باحث منصف عدم البحث والاطلاع المباشر لفكر اي شخص بنفسه ومن يؤيده بل الاكتفاء بكلام الخصوم وما يروجونه ونتائج تفسيراتهم وايضاً من الخطأ الاكتفاء بنتائج اوصلها احد الاطراف المؤيدة لاي شخص بطريقة خاطئة او فيها تلبيس فدائماً نحرص على المعرفة من المنابع الاصلية لاي شخص نبحث عن فكره والامام البنا كتب فكره برسائله ومذكراته.
المصدر: جريدة الراى الكويتية.