في الإمساك اللزج أصعد سفح الجبل
يكثر الكلام، في المناحي المظلمة من الجسد، ولا أحد، يملك جرأة المحارب الذي يقاتل في أكثر من جبهة؛ كي يدافع عن شيء لا يعرفه، و لا يخصه من بعيد أو قريب . هكذا، هي حالة البوح المكشوف عن نفسه، في كل هذا اللغط المجاني، والتحليل العاجز في قراءة صرخة التراب، أمام الجسد العاري من كل الإحتمالات الممكنة، و الغائبة عن حقول الفهم، والإدراك لخصوصية الوضع الثقافي، والإنساني في مسار التجربة الدقيقة، التي يخوضها كل مبدع، وضمن سلسلة من العلاقات، والتراكمات المعرفية،وانصهارها داخل النسيج الإجتماعي، وما يتعرض له من إحباطات، وخيبات الأمل. كلما زاد يقين الكثيرين بجدوى الإنبثاق، من تحت براتن الجهل، و العجز، و المحاصرة اللصيقة بالقلم المبدع ؛عندما يتعلق الأمر بما هو ثقافي . و أمام هذه الترجيديا السوداء في تعاطينا مع فعل الكتابة، ترك الباب مفتوحا لرياح التغيير التي لم تأت بعد لتنقذ المشهد الثقافي من حالة الإنهيار.
رد الفعل الثقافي منعدما، وفي أحيان أخرى خجولا، لا يقوى على تطوير أدوات إبداعه، التي لا تنسجم؛ وخصوصية المرحلة، والإكراهات الإقليمية، والدولية، ومواكبة التحولات العميقة، في صلب التجربة الإنسانية، ضمن حدود ما يندرج وفق ما هو ثقافي .والحالة الراهنة تكشف عن تناقضاتها الصارخة في كسب رهان التميز، والخروج من عنق الزجاج، وتجاوز عقبات الفشل الثقافي المتراكمة عبر حقب تاريخية طويلة . و تحريك الماء الراكض في متن المفاهيم، و المعتقدات، وهاجس الخوف من إحباطات الآخر القابع، في ذاكرة كل من يهتم بتطوير، و إنعاش الحقل الثقافي؛ وهو مسلح بآليات لم تعد تساير العصر، ولا تتماشى، و هموم شريحة من المجتمع المتعطشة لفعل التغيير الإيجابي، الذي يخدم الوعي الثقافي في تجلياته الواسعة، و في ضروب المعرفة التي يشتغل فيها العقل العربي، وينتج من خلالها رؤية جديدة لممارسة الحاضر، وقراءة المستقبل بعيون تكشف خبايا الإنسان الغامضة ٠
صحيح، أن بعض المراحل التاريخية، كانت ناضجة؛ رغم فسحة الأمل الضيقة، بفعل عوامل متباينة . وفشل المشروع القومي، وإغتياله في مراحله الأولى، والنزوح نحو القطرية، والإنكماش على الذات، والإنغلاق على الآخر، رغم مظاهر الحداثة التي تبدو مظاهرها جلية، في كل مكان، وفي تعاملاتنا اليومية، ونظام العولمة الذي ساهم في تقزيم دور المثقف، و إصابة الثقافة المحلية بالشلل، و الإنتكاسة البديلة ٠ جل هذه العوامل أفزت نخب ثقافية عقيمة تشتغل في دوائرها الخفية محاطة بهالة من الكبرياء المتعال، لا تخدم مصالح الوطن أنانية في إعتقادها أنها مرجعية فذة في قطبها، متناسية رسالة الفن، و الإبداع باعتباره ملك لكل إنسان على وجه البسيطة. و عاجزة على صياغة تصور جديد يحمي الذاكرة الثقافية من التلاشي.
ناهيك، عن التكثلات المتفرقة، التي لا رابط يجمع بينها، إلا أنها تنتمي إلى حقل ثقافي واحد، و في هذا التباعد، و غياب جسور التواصل، بين مبدعي الوطن الواحد. كما جاء على لسان الشاعر والروائي محمد الأشعري في إحدى مداخلاته الأخيرة بمدينة طنجة ضمن حفل توقيع روايته /الجائزة، التي تحمل عنوان : القوس و الفراشة
يؤكد على هذا الشرخ الهائل الذي يعصف بحركة الحداثة الجديدة التي تعيش لحظات الأفول و النسيان، والتي تختلف في جوهرها عن الحداثة التي تغطي واجهة المعمارالساحلي٠
تنبثق إحتمالات العودة إلى جادة الصواب، وممارسة فعل الثقافة، بكل حرية في ملامسة الجوانب الكامنة، في جوهر الإنسان، الذي يعتبر قطب الحركة الإبداعية ككل، لأن الثقافي، ينهض من مسام الوجدان العربي الرافض باستمرار للخطاب التقليدي الراسخ في ذاكرة المعطى الشفهي، وخلق جرأة المساؤلة للذات الكاتبة، بعيدا عن إرهاصات، و مخلفات مراحل متعاقبة من المتن المحكوم بهاجس الخوف، طيلة سنوات الفجيعةالفكرية التي أعقبت الحروب الفاشلة بامتياز ٠
لا يسعنا، في ظل هذه التراكمات، إفراز خصوصية المكان والزمان؛ في حركة التجديد٠ و المطالب الملحة في تحقيق جرأة الكتابة الحرة، بعيدا عن أسلاك التقليد، واجترار زمن الكتابة النمطية، وأمراضها المستعصية، على إدراك ثقل المسؤولية، الملقاة على كاهل كل مثقف عربي بصفة عامة