قبل أن نلوم الآخر‏!‏

الصحفية والشاعرة فابيولا بدوي

فابيولا بدوي – باريس

لا يوجد أسهل من أن نوصم الآخر في الأزمات بما هو فينا بل وننظر عليه ونوجه له النصح بدلا من توجيهه لأنفسنا ولا يعنينا من قريب أو بعيد أننا أحد الأسباب الرئيسية لهذه الأزمات التي بدأت تمزق سوانا من المجتمعات التي كانت تتحلي بعدد ليس بالهين من الأفكار والمبادئ الإنسانية التي كانت سببا في تميزها‏.‏

ربما لم يفهم الكثيرون المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الجاليات المسلمة في فرنسا اليوم, بعد صدور قرار من عمد بعض بلديات المدن الفرنسية بمنع ارتداء لباس البحر( الشرعي) والذي يطلق عليه إعلاميا( البوركيني) وهو اسم العلامة التجارية التي منحته إياه مصممة هذا اللباس بدعوي أنه يثير استفزاز البعض علي الشواطئ. واسم الرداء علي وجه التحديد هو أحد أسباب المشكلة, فالنصف الأول منه يعني( البوركا) أي النقاب, مما يضفي عليه صبغة دينية يمكن لمن يرغب في التشدق بمبادئ فرنسا العلمانية أن يجد في المسمي نفسه الثغرة المناسبة لهذا. وعلي الرغم من أن قرار المنع جعل المنظمات الحقوقية في الغرب خصوصا المعنية بالمرأة إلي جانب المناهضة للإسلاموفوبيا تنتفض, وتلجأ إلي الهيئة القضائية لمجلس الدولة للبت في قانونيته ومشروعيته وهي أعلي سلطة قضائية في فرنسا, وجاء قرارها الأول بتعليق هذا القرار, وهو ما يحدث كمرحلة أولي سريعة حتي تأخذ المحكمة وقتها في دراسة الموضوع قبل أن تقول كلمتها النهائية.
وعلي الرغم من عدم التزام عمد ما يقرب من الأربع مدن بقرار التعليق, إلا أن توجه المحكمة المبدئي ربما يؤكد حسم الملف برمته من الناحية القانونية لمصلحة إلغاء المنع, إلا أن هذا لم ولن يمنع الجدل السياسي والمجتمعي, حيث إن قرار المنع في حد ذاته قد قسم المجتمع الفرنسي نخبا وشعبا حتي الحكومة نفسها قد طالها هذا الانقسام, فبينما يري رئيسها أن قرار المنع يعمل علي تهدئة النفوس والأجواء المشحونة خصوصا بعد حادث الدهس في مدينة نيس الساحلية( التي بادر عمدتها بإصدار قرار المنع) في الوقت ذاته رفض بعض الوزراء في حكومته والمنتمين لحزبه ذلك.
الجدل في فرنسا سيستمر لفترة وسيتم استثماره انتخابيا, لكنه أيضا فتح باب الأسئلة الكبري حول حرية المرأة وماهية العلمانية وحقوق الإنسان والمواطنة ومفهوم الاندماج ووضع المهاجرين.
في المقابل, ما هي الأسئلة التي نطرحها نحن بعدما تابع الكثيرون منا كل التفاصيل التي نشرت في وسائل الإعلام؟..هل تساءلنا عن وضع أهالينا في الخارج..وهل بدأنا نفكر في أن هذه الأجواء المشحونة التي بدأت تغزو الكثير من دول العالم تحتاج منا إلي تحرك فكري من أجل انقاذ صورة الإسلام أولا وأخيرا, التي صار أي رمز لها يمثل خطورة ويدفع إلي المشاحنات التي تهدد السلم الاجتماعي في بعض البلدان؟
الواقع أننا قد اكتفينا بالتنديد بالقرار وبدأنا الحديث حول عدم احترامه لمواد الدستور ولحرية المرأة والحريات الشخصية وسيل من الكلام حول العنصرية وضرورة عدم التمييز..ولم نخجل من هذا الطرح الذي لم نتوجه به إلي أنفسنا ولو لدقائق معدودة:فهل نحن نحترم الدستور ومواده وحرية المرأة والحرية الشخصية ولا نتعامل بتمييز وعنصرية حتي مع أبناء الوطن الواحد؟..إن الردة التي نعانيها فيما يخص المرأة تحديدا لكافية لجعلنا نصمت تماما بل خجلا.
إن الأسئلة المطروحة اليوم في فرنسا الباعث فيها ملف يخص العرب والمسلمين لذا الأولي أن توجه وتناقش باستفاضة في مجتمعاتنا التي تفننت في تصدير التشدد والانغلاق..علنا ننقذ ما يمكن إنقاذه من صورتنا وحياتنا التي صارت مهددة في الداخل والخارج إما بالتشدد السلفي أو العلماني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *