قراءة في رواية بطن الحوت.. للروائية اللبنانية “صونيا عامر”

الأديبة صونيا عامر
وصفتها بجنّة الخلد، بالسعادة السرمدية، بالحياة الأبدية حيث لا أحد فيها يموت، لتطلق عليها اسم “بطن الحوت”.
الروائية اللبنانية “صونيا عامر”، تدخلنا في معايشة وجدانية، خيالية لأحداث تستنكر للحياة الطبيعية و تثمر لأبطالها ذكريات الكره و النفور لما عايشوه قبل دخولهم معمعان هذه التجربة الجريئة و الخطيرة على حدّ السواء.
تميّزت لعبة “بطن الحوت” بتطابق ميولات لاعبيها الألف و التي أجّجت تحرّقهم إلى الثمرة المحرّمة و بالتالي وضع الأسس التي بموجبها يسير المجتمع و بموجبها يتطوّر على كف عفريت. الكل تخلى عن حياته الاجتماعية المعتدلة ليوافق باستكانة على شروط الخلد المزعوم.
جاءت فكرة العيش داخل “بطن الحوت”، تحت أعماق المحيط، كأسلوب استعاضة عن طريقة العيش الطبيعي من نشأة، فاكتمال، فانحلال، جاءت كفرصة لتبيح المحظورات و تعكس الحياة البشرية من علاقات الحياة و الموت، جاءت لتدّعي الخلد الأبدي، الشباب اللاّنهائي، النشوة المطلقة و الغبطة الدائمة و لكن… الطبع يغلب التّطبّع. مع كل الوعود بتواصل الاستمتاع و غياب كلي لعلل الكوائن و أسبابها، يدبّ الملل في النفوس كدبيب الصهباء في الأعضاء و يبدؤون في السقوط دون مناص في حمأة ذلك الوضع الذي لم يكن مغطى بأي قانون شرعي، حيث لا صدق هناك غير الغلط و الأوهام التي بعضها ظاهر و بعضها خفي.
إنه فشل الانقلاب الذي أميط عنه اللثام بعد أن كان مقنّعا حتى لحظة القرار الجماعي بالعودة للحياة الطبيعية.
تثبت لنا هذه الرواية أنه مهما تعدّدت محاولات تكيف العلم لمفاهيم مستجلبة من قناعة فردية لإرضاء غرور السيطرة الذاتية و صياغته شرعا يرمي إلى إخضاع الآخرين له فإنه سيبوء بالفشل الذريع أما الإرادة الإنسانية.
كذلك نستخلص من هذه الأحداث، وهو ما لا شك فيه، بأنّه من الخرافة التصديق بقدرة بشريّة مهما عرق تطوّرها على التحكّم في الطبيعة الكونية التي وضعها الله، و هو ما يفسّر لنا قوله تعالى ” و ما أتيتم من العلم إلا قليل”. مهما كان للعقل البشري من تأثير على السير بالمجتمع نحو التجديد و التطوير فإن هذا التأثير ينعدم تماما أمام القدرة الإلهية و القوانين التي وضعها الخالق لتسير هذا الكون.
يبقى وجود التغيير في حياتنا يعتبر حاجة حيوية لكن لا يأخذ بعده الحقيقي إلا إذا كان يخدم المصلحة العامة و بعيدا عن المنفعة الشخصية.