قراءة في قصة ” مرارة المشمش ” للكاتبة عطيات أبو العينين
يبدوا أن عنوان النص ( مرارة المشمش ) هو العمود الثقافي الذي يبدأ منه الدخول لهذا النص .. فهو عنوان يتحرك في منطقتين .. المنطقة الداخلية للشخصية ” المرارة “وهى منطقة غير ظاهرة للآخرين .. والمنطقة الخارجية ” المشمش ” التي تظهر أمام الآخرين .. والمشمش له شكله الجمالي الخارجي ، ومرارته الداخلية التي لاتنكشف الا بالتذوق .. لكن هذا النقل من الداخل للخارج لم يغير من دلالية العنوان .. إذا ظل مرتبطا معنويا بالشخصية..فإذا انتقلنا للمتن، سنجد انتقالا أيضا في السرد من المتابعة الخارجية للمتابعة الداخلية للشخصية..
هذه التحركات سمحت بعمليه تداعى تربط الظاهر بالمخفي .. الخارج بالداخل ..
فإذا رجعنا للعنوان ” مرارة المشمش ” سنجد أن هناك جماليات خارجية ومرارة داخلية فيكون مدخل السرد هو بنية المرارة، التي سيطرت على العنوان وشكلت الداخل النفسي للشخصية.. وفى المتن نجد أن المحتوى يجسد القهر الواقع على المرأة من قبل الرجل، الذي يرصد من خلال الزوجة بقولها :
” معها حق لقد حق علي العذاب طول العمر من أجل قرار اتخذته في لحظة طيش.. زواجي من هذا الرجل.. لم أندم علي شيء فعلته في حياتي كما ندمت علي زواجي منه”
وهكذا يقدم لنا النص ” الرجل / الزوج ” بصورته الثقافية التقليدية ( قاهر الأنثى ) .
فيدخلنا النص بذلك رغما عنا الى عالم الثقافة الذكورية السائدة .. وبمنطق التغيب كرد فعل من الأنثى .. لا يظهر الزوج / الرجل في النص بشكل تام أو بمساحة متوازنة، أو بصوته ، فقد تم دفعه لمنطقة الغياب، حتى السطور الأخيرة أثناء جلسة العشاء .. حتى في تلك الجلسة الأسرية، التي ينبغي ان تحوى دفئا اسريا، يقدم الزوج قهره عبر مقطع فريد ، فيسرد النص :
” ناولني حبة من حبات المشمش أصر أن يطعمني إياها. وضعها بفمي رحت أزدردها لم أشعر لها بأي مذاق.. “
وهكذا يقدم الزوج المرارة مغلفة بشكل جمالي .
ويستكمل السرد مؤكدا على تلك المرارة :
“ضروسي تضغط على شيء جامد لم أحاول اخراجه من فمي راحت الضروس تطحنه طحنا مع حبة المشمش.. شعرت بمرارة في فمي كالعلقم. رحت استعذب مرارته وانتزع من داخلي ابتسامة ممزوجة بمرارة المشمش”
سيطرت الأحاديث النفسية على النص , أحاديث ترتبط ببنية القهر كما ترتبط ببنية الوحدة .. فالشخصية تقف وحيدة ، تتأمل وضع ابنتها وحياتها بدون أب، وتحدث الداخل، ومع الجرح العميق في حياتها تؤمل بعملية أصلاح بمقطع رمزي فعال فتقول :
” ولكن من يدقق في الصورة يكتشف أن بها شرخا عميقا حاولت معالجته فلم أستطع. تركته ربما يلتئم مع الزمن “
أما الابنة البريئة سلوى ، فتبدو فتاة ناضجة ومواسية جدا ، تملك الحنان والفهم ، فهي بذلك تستحق اسمها ” سلوى ” ففيها السلوان ومن اجلها يرفرف خيط خفيف من الأمل.
ومع ذلك سلوى الابنة هنا تحتل موقع القوة القاهرة , التي تدفع بالشخصية الرئيسية “الزوجة / الأم .. للبقاء بمنطقة القهر .. فرغم قولها المأساوي :
” لن أتزوج أبدا يا أمي.. سأعيش معك طيلة حياتي.”.
لكنها نفسيا لا تريد الفراق وتعمل على محاولة صلح .
وكما تحتل الابنة موقع القوة القاهرة فتدفع الشخصية للبقاء بمنطقة القهر .. تفعل فعلها أيضا الأم الذي بقولها :
” ” أكيد المخفي زوجك. عملها مرة أخرى. ولكنني أعود فأقول أنت التي اخترته فاشربي “
والمفترض من الأم المواساة ، وان تدفعها بعيدا عن منطقة القهر.. لا ان تقهرها هي أيضا .
وننتهي بقولنا ان مشكلة ( الزوجة ) ليست المرارة ولا الوحدة .. فالمرارة نتاج لحياة مرفوضة أصلا .. نتيجة لرفض الفاعلية الإنسانية وعزلها عن العالم .. فنحن هنا بإزاء وجه أخر لكائن مهمش منبوذا وحيدا وضعيف وعاجز .. يعيش في بيته كأنه يجول في عراء موحش .. ومالبيت الا رمز لعالم خارجي يؤكد على الإخفاق ، ويدخل الإنسان الضعيف والعاجز الى متاهات أعمق من القهر . وهكذا تتخطى الكاتبة القهر الذكرى والكلام الممل عن أدب المرأة ، وتدخلنا الى أبعاد أخرى متجاوزة التصدع الاجتماعي ,لتجسد بحس عميق تصدعا يحيط بجوهر الكيان الإنساني.
———–