مفاتيح البهجة رواية للكاتب الفلسطيني عمر حمش

قراءة: نزهة أبو غوش
في روايته، لخّص الكاتب الفلسطيني عمر حمش – من خلال 115 صفحة – مسيرة شعب بأكمله، شعب آبائه وأجداده؛ لخّص حياة الفرح والبهجة والحياة الرّغدة وتكاثف الأسرة والبلدة والوطن ما قبل التّهجير عام 1948؛ ثمّ حياة الألم والحزن والقهر والتّشتّت حتّى حرب حزيران 1967.أمّا المكان، فقد ركّز الكاتب على بلدة المجدل، وعسقلان، خان يونس، يافا، المخيّم، مدينة غزّة.
استخدم الكاتب عدّة تقنيّات؛ من أجل إيصال فكرته الرّوائيّة، أوّلها تقنيّة الاستماع إِلى الرّاوي، الوالدين، أو الأجداد الّذين عاشوا وعاصروا الأحداث بحذافيرها، وخاصّة أحداث ما قبل التهجير، حيث استخدم الراوي، كلمة ” طردونا، أو وقت الطّرد” بدل كلمة هجّرونا، أو الهجرة على طول مساحة الرّواية.
استخدم الرّاوي أسلوب الاسترجاع، حيث كان يعود إِلى وصف الأماكن مثل البيوت والسّهول، وأنواع الأشجار، وكذلك الأحداث؛ وذلك من خلال أحلام اليقظة، والسرحان. هنا كان الخيال جامحا وفسيحا، وقد استعان الرّاوي بالملائكة، والمحبوبة، والشّهيد، ومن هم داخل القبور؛ من أجل أن يطوف بحريّة فوق سماء البحر والشّوارع والأبنية الّتي ترسخ بذاكرته، والوطن الّذي يرجو العودة اليه. هنا يمكن القول بأنّ الكاتب استطاع أن يوجّه بوصلته نحو النّاحية النّفسيّة للشخصيّات، من حيث تمكينها من التّعبيرعن نفسيّتها المحرومة من العودة لوطنها الأصليّ – يافا، عسقلان، المجدل – وترك المخيّمات الّتي يعيشون بها قضاء مدينة غزّة، حيث المعاناة والظروف المعيشيّة القاسية جدّا.
الوصف في الرّواية دقيقا وغير مبالغ به، حيث يخدم الفكرة في النّصّ بشكل واضح.
لقد أبدع الكاتب في وصف الحقول المتروكة بسنابلها الذّهبيّة المتماوجة والأزهار الفوّاحة والبحر بأمواجه العميقة، والبلد الّتي تشبه الجنّة؛ اعتمد الرّاوي في وصفه على البيئة الّتي يتواجد بها نحو وصف أشجار الكينا والسدر والأكاسيا والجمّيز والنخيل.” أبو غازي كان كسعفة” ص4
رسم الكاتب لوحته القاتمة، حيث المخيّمات وصف تلال الرّمال في قضاء غزّة، جلسة الرّجال والاستراحة لشرب الشّاي والتسامر والحديث عن البلاد، بين المقابر تحت قمر يوصلهم بالبلاد، وصف رشّ أجسام الطّلاب بمسحوق المبيدات الحشريّة كذلك في البيوت، (الأكواخ) حسب ما ذكرها الكاتب في الرواية؛ كذلك صورة اللاجئين وهم يتراكضون لاستلام الطّعام وسلّات الملابس المستخدمة الّتي توفّرها لهم الأونروا؛ والأهمّ من ذلك أبرز الكاتب صورة مؤلمة للاجئ الّذي يلمّع كلّ يوم مفاتيح عودته بالرّمل والكاز – مفاتيح البهجة – ويصرّ على الاحتفاظ بها؛ خوف أن يكسر الباب إِذا ما فقدها؛ كذلك تفقّد أوراق الطّابو كلّ حين تأكيدا على حفظ ملكيّتهم حين العودة. دور المراهق بطل الرّواية في المخيّم ، شقاوته، تدخين أعقاب السجائر، الهروب لدور السّينما، الحبّ الأوّل، اقتناص علاقات غير شريفة…
” كنّا نهارات حالمة، وليالي صمت، يخالطها نباح التّلال” ص5
صورة الطّالب في مدارس المخيّم هي الأشدّ بؤسا وألما: ضرب الطّالب بالفلكة، وصورة الفقر المدقع، حيث ساندوش الفلفل المغمّس بالملح، واللباس المهترئ؛ وقد انعكست الحياة على الطّلاب فولّدت الانفجار الطّلابي بالمظاهرات ومواجهة المحتلّ دون خوف أو تردّد بتشجيع من معلّم العربيّة.
لقد أبدع الكاتب في وصف مناسبة طهور ابن أحد أبطال الرّواية – الهواري – لقد دقّت الطّبول ورفعت المواويل والأوف، تجمّع كلّ أهل المخيّم يدقّون الأرض بأقدامهم حملتهم الحماسة إِلى الفضاء، حتّى أنّهم أخرجوا مفاتيح عودتهم الملمّعة من جيوب قنابيزهم ليشهروها عاليا ويتمايلوا بها مع أغنياتهم الشّعبيّة، وكأنّ يطلقون كلّ غضبهم وقهرهم في الفضاء:
” سايق عليكو الله تحمّوا هالسّاحة شويّة
ويافا عربيّة وأنا دخيلو الله
يا يافا يا نوّارة، يا زينة القوّارة” ص40-41-
لقد كان الأمل موجودا في قلوبهم، وخاصّة بعد الإعلان عن تأسيس جيش التحرير، الّذي سيعيدهم للبلاد؛ لكنّ خيبة الأمل قد أصابتهم بعد حرب حزيران 67، حيث تدمّر كلّ شيء.
لقد صوّر الكاتب تلك الخيبة والخذلان برمي الراديو الترانوستر في ( الزبالة)؛ لأنّ من خلاله كان التّرويج والبعبعة الكاذبة من إذاعة صوت العرب: ” إِنّ طائرات العدوّ تتساقط كالذباب”
صورة المخذولين وسط البحر يتعلّقون بقوارب الصيّادين، إِنّهم يرحلون من جديد…إِلى أين؟
صوّر الكاتب وصمة الهزيمة بكلمة واحدة، حين كان الضابط ينادي بصوته المجروح لعدة مرّات ” يا قيادة” وللأسف لم تجب القيادة، واستشهد بعدها فورا.
هناك مصطلحات خلّفتها الهجرة، وقد استخدمها الكاتب بذكاء: على لسان امّ الحنتوت، حين تعرّضوا لولدها:
“أقصّ شيبتي، إِذا رجعتوا للبلاد”ص53.
قول الرّجل اللاجئ، عند شعوره بالغضب بالألم والقهر من أصحاب المخيّم: “من يقول الشّعر بعد الآن”
ومن المفارقة، الضّحك وسط الهزيمة؛ ومن الأشدّ بلاء استلام هويّة اسرائيليّة بعد الاحتلال مباشرة.
اختار الكاتب نهاية لروايته: تكاثروا. زوّجوا أبناءكم لتكاثروا.
أرى بأنّ الكاتب قد استجار بهذا الحلّ، كمن يستجير بالرمضاء بالنار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *