مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ .. فَلْيَتَزَوَّجْ !

أ.د.إلهــام سيــف الدولــة حمــدان – مصر
أصبحت محاولة التلامس مع المشكلات الحياتية المتفاقمة في المجتمع المصري؛ بتركيبته الحالية التي طرأت عليه في الآونة الأخيرة؛ أشبه بمحاولة تلامس ( حد السكين الثلمة ) مع حجر ( التجليخ ) الدائر الذي ينتج عنه الشرر؛ الذى قد يطال بعض الجوانب التي نعزف عن الخوض في غمارها؛ وتتجه بنا إلى الدخول ـ قسرًا ـ إلى أحد المنعطفين: الديني أو السياسي، وكلاهما مُر كثمار الحنضل !
فإذا حاولنا الدخول إلى منطقة مشكلة تعسر زواج الشباب ومواجهة ظاهرة العنوسة، سنجد أن المنحى الديني يذكرنا بقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :”يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ”،والباءة هي الاستطاعة والقدرة على تحمل المسئولية، والقيام بالأعباء الجسام لمواجهة شظف العيش . وإذا أخذنا الاتجاه السياسي؛ فسنواجه بضرورة مطالبة الدولة بتعديل الكثير من القوانين التي صاحبت فترة الانفتاح الاقتصادي غير المدروس، وكلها لصالح أصحاب رءوس الأموال؛ المهيمنين على سوق العمالة واقتصادياته، تساعدهم التكنولوجيا المتقدمة في الاستغناء عن اليد العاملة والاكتفاء بالأجهزة التكنولوجية التى تعمل على تقليص حجم العمالة والاكتفاء بـالاستعانة بـ”عامل ماهر” واحد لأداء عدة مهام بمالديه من تقنيات؛ وبأقل قدر من المرتبات المعروضة، وتظل الطوابير الطويلة العاطلة فى انتظار اقتناص بارقة أمل، ويستوي في هذا الانتظار الرجال والنساء على حد سواء !
والغريب أنه برغم الرؤية الواضحة لهذه المشاكل من الأسرالمصرية ؛ فإنهم مازالوا يتمسكون بوضع العراقيل أمام كل من يجنح إلى الاستقرار النفسي والعائلي ؛ وتراوده الأحلام في تكوين أسرة تعينه على مواجهة تيارات الحياة، وليواجَهْ طالب الزواج بالكثير مما يعيقه عن التقدم لاستكمال حلمه المشروع هذا؛ بدءًا من الشبكة والمهر وحفل الزواج؛ الذي تعده الأسرة المصرية مجالاً للتباهي بين الأهل والأقارب والجيران، ثم المعضلة الكبرى في كيفية الحصول على “عش الزوجية” الشبيه برابع المستحيلات؛ بعد الغول والعنقاء والخل الوفي !، وهو من الصعوبة بمكان في ظل جنون الثورة العقارية التى فاقت كل الحدود وصعبت حتى على الميسورين؛ والتي يتراوح ثمن عش الزوجية فيها بين ربع المليون وثلث المليون، وأين القدرة على الوفاء بهذا المطلوب ؟ ، ثم نفترض جدلاً أن العائلة عقدت العزم على الموافقةبجمع “رأسين في الحلال”؛ وقام “العريس” بالوفاء بكل هذه الالتزامات المجحفة والمرهقة، فقد أصبح الآن مسئولاُ عن شريكة المستقبل منذ لحظة “قراءة الفاتحة”، فهُنا تبدأ حلقة أخرى من حلقات سلسلة طويلة ومعقدة من الالتزامات؛ بضرورة الوفاء بمهام أخرى ـ بحسب العرف السائد فى البيت المصري ـ يلتزم بها أثناء فترة الخطوبة؛ وحتى لايدخل إلى بيت العروس” إيد ورا وإيد قدَّام” وفقًا للمثل الشعبي، فهناك تنتظره القيام بأعباء تقديم هدايا “مواسم” المولد النبوي،الإسراء والمعراج، ليلة النصف من شعبان، ذبيحة أول رمضان، عيد الفطر، عيد الأضحى، رأس السنة الهجرية، رأس السنة الميلادية، شم النسيم، وربما الالتزام القومي الواجب لتقديم هدية محترمة تدل على الوطنية والشهامة في ذكري”عيد الثورة” إن لزم الأمر !
وبرغم النداءات الكثيرة التي تطالب بالتخلى عن العديد من الأمور التي تعيق مسألة الزواج وتصيب الشباب بالإحباط ، إلا أن هذه النداءات كلها يبدو أنها تذهب أدراج الرياح ؛ بل أصبح أهل ” العروس” يتفننون فى خلق مشاكل الزواج بالبحث عن وضع المعوقات التي تصعب من فرص الشباب في إتمام الزواج، ناهيك عن “قائمة العروس” التي يدرح فيها كل تفاصيل “العفش” وصولاً إلى الأطباق والملاعق والسكاكين والقوارير الزجاحية ! والتي تعد حبل مشنقة حول رقبة الرجل ؛ وهي التي تمنع أحيانا استكمال الكثير من الزيجات، بعد إصرار الأهل على معاملة “العريس” وكأنه مستثمر أو شخص يجب التعامل معه على أنه أجرم في حق المجتمع والناس؛ بطلبه الاستقرار المنشود، وكم سمعنا الكثير من المآسي بسبب هذه “القائمة”؛ والتي تؤدي في بعض الأحيان بالرجل إلى غياهب السجون، وكل هذا نشاهده ونعيش لحظاته على الطبيعة ، وملايين من شبابنا يواجهون معاناة “العنوسة” بين الفتيات والفتيان بسبب كل ماسبق، ولكنها العادات والتقاليد المتوارثة، والتي من المفترض أن تكون في حدود المعقول، ولابد من العمل على تقريب وجهات النظر لصنع المستقبل، وتكون النتيجة الحتمية هي حيرة الشباب بين طموحاته التى تشده إلى أعلى؛ وبين فقر الإمكانات التى تجذبه إلى أسفل، ويؤدي به هذا الصراع الحتمي بين الطموح والإمكانات؛ إلى التمزق الروحي والنفسي؛ والاستسلام لضبابية لاتتضح معها رؤية معالم الطريق الصحيح، وربما تكون النتيجة هي الارتداد إلى الخارج أو إلى الداخل؛ بحسب تحليل علماء النفس، وكلاهما لايصنع المستقبل الزاهر والمرجو لشبابنا .
أما آن الأوان للعودة إلى قيم المجتمع المصري الأصيلة، وحتى لانفجع كل صباح بما تحمله صفحات “الحوادث” من جرائم القتل والاغتصاب والخطف والزنا وكل العلاقات غير المشروعة؛ التى لم نألفها في كل العصور، وحتى في اقسى لحظات الظلام الذي يسود بين الفينة والفينة ؟!
أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون