المسيح على الأرض فارتفعوا (4 )

بقلم مادونا عسكر – لبنان
تحمل النّفس الإنسانيّة جمّاً من التّعقيدات والتّناقضات ما استدعى بحثاً دؤوباً في تركيبتها منذ قرون وحتّى يومنا هذا. إلّا أنّ كلّ الأبحاث والنّظريّات والعلوم النّفسيّة لم تتمكّن من إزالة هذه التّناقضات أو تفكيك العقد النّفسيّة بحيث أن تنعم هذه النّفس بالسّلام تماماً. ومهما بلغ الإنسان من صلاح واستقامة، تبقى نفسه خاضعة للانفعالات والتّأثيرات الخارجيّة، فيتصرّف بشكل ينافي مقاصده. وقد لا يعلم دوافع بعض أفعاله كما قد يسلك في فعل الشّرّ ظنّاً منه أنّه يسعد ذاته. “الخير الذي أريده لا أعمله، والشّر الّذي لا أريده أعمله.” ( رومة 19:7). وفي كلّ مرّة يسقط الإنسان في تجربة ويعجز عن النّهوض منها، يزداد اضطراب النّفس ويشتدّ قلقها، فلا تعود قادرة على التّمييز بين ما هو شرّ وما هو خير.
ولكن، المجد لربّنا وإلهنا يسوع المسيح الّذي ارتضى أن يتّخذ إنسانيّتنا لينجّينا من جسد الموت هذا. يقول ربّنا في ( يوحنا 10:10): “جئت لتكون لهم الحياة وتكون وافرة”. وباتّحادنا بمن هو الحياة ننجو من إنسانيّتنا العتيقة المؤدية للهلاك، فتزول كلّ شوائب النّفس وينتفي اضطرابها وتتلاشى تعقيداتها شيئاً فشيئاً. ذاك ما نلاحظه خلال قراءتنا لمسيرة حياة آبائنا القدّيسين. إذ إنّنا نعاين ذروة إنسانيّتهم المفعمة بالسّكينة والهدوء والاتّزان، نتيجة اتّحادهم بيسوع المسيح وسكناهم في قلبه. ” سلاماً أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب.” ( يوحنا 27:14).
لقد افتقدنا ربّنا وأتى إلى العالم ليبلسم أوجاعنا العميقة وآلامنا الدّفينة الّتي لم ندركها بأنفسنا. فلنسمح له بلوغ أعماقنا حتّى تتغذّى منه وتنضح سلاماً وسكينة، فيشعّ نوره في العالم من خلال نفوسنا الثّابتة بمحبّته والمتّزنة بحضوره فينا. فهو وحده القادر على منحنا الحياة السّعيدة.